يرجع تاريخ مُؤسَّسَة الأزهر إلى السابع من رمضان361هـ/21 حزيران 972م أيام الدولة العبيدية الفاطمية؛ ومنذ ذلك التاريخ تأسست لمصر كينونة دينية مؤسسية ذات خلفية سياسية ومذهبية شيعية إسماعيلية، واستمرت على هذا النحو حتى استيلاء السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي على أمر مصر سنة567 هـ/1174م، فتوقفت مؤسسة الأزهر عن كونها منبرًا للدعاية المذهبية، ومن يومها جعلت مؤسسة الأزهر، شيئًا فشيئًا،تكتسب زخمًا وظيفيًّا جديدًا؛ حيث صارت مثابة للعلم والعلماء من مختلف الهويات المذهبية السُّنِّية... فكانت أقرب انتماءً إلى المجتمع والأمة منها إلى السلطة والدولة، ولاسيّما حين توشَّحت تلك المؤسسة بوسائل الممانعة الذاتية بعد تحبيس الأوقاف الضخمة عليها، فتحققت استقلالية المؤسسة.
ولعل وجود مؤسسة الأزهر إلى جوار سلطة ذات هيمنة سياسة على ربوع مصر وبلاد الشام والعراق واليمن قد أسهم في تعزيز التفاعل مع فكر المؤسسة، وتوسيع قاعدة هيمنتها الروحية، ونفوذها الديني والثقافي، حتى تناولت الجوانب الإصلاحية في شؤون الحياة الإسلامية... وقد جاء عصر المماليك امتدادًا للعصر الأيوبي، ولاسيما بعدما صارت القاهرة عاصمة الخلافة العباسية الجديدة في أعقاب سقوطها ببغداد بين يدي التتار سنة 656هـ/1258م. وقد كان العصر المملوكي علامة فارقة في تاريخ الأزهر؛ إذْ تعزَّز رسوخ المؤسسة على خريطة كُلٍّ من المجتمع والدولة والأمة سواءً بسواء.
ولئن عرضت لسلطات الدول المتعاقبة عوارض الضعف والأفول والزوال، لكنَّ الأزهر بدا باستقلاليته بعيدًا عن سلطة الدولة، وبعيدًا عن تجاذبات الأهواء الحزبية وعن التأثُّر باستقطابات الولاءات السياسية... ومن ثَمَّ، ظل قويًّا عفيًّا، بل إنه في مراحل لاحقة بدا تأثير الأزهر في مجريات الحياة السياسية والاقتصادية لا تخطئه عينُ متابعٍ عبر العصور، وقد ظَلَّ الأزهر محافظًا على هذه المسافة من أطيافِ كُلٍّ من المجتمع والدولة دون اقتراب يزريه، أو ابتعاد يصرفه عن هموم المجتمع والدولة والأمة سواءً بسواء.
كان الأزهر مؤسسة ذات امتيازٍ مدني مستقل، لم تكن سلطة دينية ذات كينونة موازية للسلطة السياسية، بل كانت روحًا أهلية يحملها جسد الأمة الذي تتوزع أعضاؤه على خريطة العالمين العربي والإسلامي. ولقد كانت تلك الروح بمثابة خط ممانعة مستدامة دفاعًا عن مكتسبات الأمة في مواجهة أيِّ ميولٍ سلطوية إلى الظلم والطغيانوالتحيُّفعلى كينونة الأمة؛ قد استعرضت المؤلفات صورًا من الممانعة الحضارية التي كانت إحدى السمات الجوهرية في تاريخ الأزهر الشريف؛ وبرزت أسماء من شيوخ الأزهر وعلمائه وطلابه تصدت للاستبداد السياسي، والمظالم الاجتماعية، كما نرى في أخبار أو تراجم رجال مثل الفقيه الشافعي شهاب الدين السنباطي (ت 998هـ/1590م) ([1]).وشيخ الأزهر محمد الحفني (1170هـ- 1181هـ/1757- 1767م)([2])، والشيخ أحمد العروسي (1778- 1793م) ([3])،والشيخ أحمد الدردير (ت: 1201هـ/1786م) ([4]).وشيخ الأزهر عبد الله الشرقاوي (ت: 1227هـ/1812م) الذي تصدى لظلم الوالي العثماني خورشيد باشا، حتى تَمَّ عزلُه، وتولية محمد علي باشا مكانه عام 1805م([5]).
وعندما غزا الفرنسيون مصر بقيادة نابليون بونابرت، قاد علماء الأزهر الثورة ضدهم من الأزهر الشريف، فاستشهد عدد من طلابه وعلمائه([6])، ولا ينسى التاريخ أن سليمان الحلبي -أحد طلاب الأزهر - هو من قتل الجنرال كليبرالذي خلف نابليون في قيادة الحملة، وتم إعدام سليمان الحلبي وتعذيبه على نحو مروع، ومعه أربعة من رفاقه من طلاب الأزهر([7]).
وكان للسيد عمر مكرم دور كبير في هزيمة حملة فريرزالبريطانيةسنة 1807م([8]).
وفي ثورة 1919م، أذكى الأزهر روح الثورة ضد الاستعمار البريطاني، وكان أول شهيد للثورة من أبناء الأزهر([9])،وطلب المندوب السامي البريطاني من شيخ الأزهر أبي الفضل الجيزاوي1917-1927م إغلاق الأزهر، لكن الجيزاوي رفض، وبقي الأزهر يتحدى السلطات الاستعمارية([10]).
كما دعم الأزهر الشريف قضية فلسطين، منذ هبَّة البراق في عام1929، وبرز دور الأزهر في الدعوة إلى الجهاد بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني في عام 1948م؛ في عديد من فتاوى شيوخ الأزهر([11])، ومجمع البحوث الإسلامية فيه([12]).
من المهم هنا التأكيد على أنَّ مختلف الحركات الثورية والأحزاب السياسية ذات النزعة الاستقلالية كانت في مجملها ذات مرجعية أزهرية؛ أي أنَّ المؤسسات الاجتماعية، من جمعيات خيرية ودينية ثقافية إصلاحية، كان أعضاؤها من النخبة والطبقة المثقفة المشتغلة بالسياسة أو بمقاومة الاحتلال الأجنبي أو بالإصلاح الاجتماعي والديني والتوعية الثقافية... وهكذا كان الأزهر متمدِّدًا في النسيج الشعبي والمجتمعي بنفوذه الروحي المعهود
سنرى انحسارًا لدور الأزهر بعد ثورة يوليو 1952 وبدء الحكم العسكري لمصر، وفي هذا السياق تم تجريد الأزهر من مقوماته الفاعلة، وتقويض سلطانه الروحي وتقليص نفوذه الاجتماعي والسياسي في الحياة العامة للمصريين، تارة بالاستيلاء على أوقافه، وتارة أخرى بتفريغه من محتواه العلمي الديني بدعوى تطويره وتنويره، وتارة بالتدخل في شؤونه من خلال جرجرة علمائه إلى مستنقعات السلطة سواءً بالإغراء أم بالتشويه أو بالتنكيل والاضطهاد؛ والحقيقة أنَّ تلك الإجراءات كانت تستهدف مؤسسة الأزهر في رمزيتها وفي علمائها؛ حيث اتُّخِذت سلسلة من الإجراءات بدأت في 1961م وانتهت بإدماج الأزهر بالجهاز البيروقراطي للدولة؛ إذْ تضمَّنَ كُلٌّ من القانون المصري رقم 103 لسنة 1961م، وقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975م، أنَّ مؤسسة الأزهر جهةحكومية، وأنَّ ميزانيتها جزءٌ لا ينفصل عن ميزانية الدولة([13]).
خلال الحقبة الناصرية (1953 – 1970م) وما بعدها مال البعض من شيوخ الأزهر إلى تأييد السلطة في سياق سعيها إلى تحييد النفوذ الديني للمؤسسات، وتقليص التأثير الروحي للعلماء والدعاة والتأثير الثقافي للجمعيات والأحزاب والمؤسسات الأهلية والمدنية، عدا حالات محدودة حاول فيها شيوخ كرام الاحتفاظ باستقلالهم عن السلطة، منهم الشيخ محمد الخضر حسين (1952-1954) الذي رفض قرارجمال عبد الناصر ضم المحاكم الشرعية إلى المحاكم المدنية، وطلب الشيخ ضم المحاكم المدنية إلى الشرعية، وليس العكس، فلما أصر عبد الناصر على موقفه قدم استقالته سنة 1954م.والشيخ عبد الحليم محمود (1973- 1978م) الذي رفض تعديلات قانون الأحوال الشخصية الذي أُطلق عليه «قانون جيهان السادات" سنة 1979م»([14])، والشيخ جاد الحق علي جاد الحق (1982-1996)، الذي بادر إلى رفض التطبيع، عندما تصاعدت الدعوات للسلام مع العدو الصهيوني، وأيَّدَ الانتفاضة الفلسطينية، والعمليات الاستشهادية، وندد بموقف أمريكا المنحاز إلى الكيان الصهيوني([15])، وأفتى بتحريم فوائد البنوك وشهادات الاستثمار، ورفض توصيات المؤتمر الدولي للسكان([16]).
وبمضي الوقت؛ وترسخ الاستبداد؛ كان شيوخ الأزهر يفقدون ممانعتهم، وتتقلص قدرتهم على الصمود، فشيخ الأزهرعبد الرحمن بيصار (1978-1982م) أيد زيارة السادات إلى إسرائيل، وقال: «إن مصر تعيش هذه الأيام أمجد أيامها بالزيارة التي يقوم بها الرئيس السادات لتوقيع معاهدة السلام»، كما أرسل إلى الرئيس السادات برقية تهنئة بمناسبة توقيعه المعاهدة([17])
أما الشيخ محمد سيد طنطاوي (1996-2010)، فكان أحد أكثر المشايخ قربًا من النظام، حيث تبنى مواقف متوافقة مع سياسات مبارك، خاصة في القضايا السياسية، مثل دعم التطبيع مع إسرائيل في إطار اتفاقيات السلام، وهو ما أثار انتقادات واسعة.
واستجابالشيخ طنطاوي لضغوط نظام مبارك الذي كان يشكو من انصراف الشعب عن إيداع مدخراته في البنوك، ويتجه إلى شركات توظيف الأموال، فأصدر فتواه بحل فوائد البنوك، بل أصدر فتوى تدعو لـ«جلد صحفيين» في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2007 تنفيذًا لحد الافتراء؛ بسبب نشر بعضهم أخبارا تتحدث عن مرض الرئيس حسني مبارك، وقد علق الكاتب الصحفي فهمي هويدي على فتوى طنطاوي تلك بقوله: «إنه ارتدى قبعة الأمن، وخلع ثياب المشيخة»([18]).
وهكذا، ورغم وجود شخصيات أزهرية حاولت الحفاظ على نوع من الاستقلال، ظل مشايخ الأزهر عمومًا أقرب إلى السلطة، يدعمون توجهاتها، مع الحرص على عدم الدخول في صدام مباشر قد يهدد مكانة المؤسسة الدينية.
كان للأزهر دوره البارز في الإصلاح السياسي والاجتماعي، وفي التوجيه الديني والتعبئة الروحية والتكوين الفكري والثقافي عبر الأجيال. ولم تُوجد أيَّةَ حركة إصلاحية إلا وكان للأزهر فيها سهمٌ بصورة أو بأخرى. وكان تأثيره الثقافي والروحي الممتد، مشرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، جزءًا حيويًّا في منظومة الخلاص من استبداد الاحتلال الغربي وطغيانه المتسلط في البلدان العربية والإسلامية خلال مائتي سنة.
وقد كانت جماعة الإخوان المسلمين، منذ نشأتها، ذات نزعة إصلاحية إسلامية دعوية أصيلة، وذات غايات استخلافية تنسجم مع الروح العام للأمة المسلمة، تلك الأمة التي تتطلع إلى استعادة الدور الريادي لأمة الإسلام في مختلف مجالات الحياة الروحية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية... فمن ثَمَّ، لم يكن غريبًا أن تنسجم تلك الرؤية مع رسالة الأزهر وميول علمائه، أولئك الذين لم يجدوا في دعوة الإخوان المسلمين إلا يدًا يُمنَى لتلك المؤسسة العريقة، فكان أكابر علماء الأزهر وشبابه من طلبة العلم أعضاءً فاعلين في المجتمع ومؤثِّرين بصورة أعمق من خلال التحامهم بمسارات العمل في بيئة جماعة الإخوان المسلمين.
إلا أن نظام العسكر بعد ثورة يوليو أقحم الأزهر في صراعه مع جماعة الإخوان المسلمين، فبعد اتهام الإخوان بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادثة المنشية، صدرت أحكام بالإعدام على عدد من قيادات الإخوان كان منهم الشيخ محمد فرغلي أحد علماء الأزهر، وبادر شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج وكذا هيئة كبار العلماء ومجلة منبر الإسلام إلى إصدار البيانات التي تهاجم الإخوان، وتتهمهم بتحريف الإسلام والخروج عليه، وتكرر الأمر في محنة 1965على يد شيخ الأزهر حسن مأمون([19]).
الفصل الأول
كانت العشرون سنة الأخيرة (2005 – 2025م) شاهدةً على حقبة مهمة من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي، حيث كانت تلك العشرينية شاهدة على تغيرات جوهرية ومفصلية في تاريخ مصر المعاصر مجتَمعًا ودولة، إدارة وسلطة وحكومة، تلك العشرينية التي شهدت كما لم تشهد من قبل بلوغ السلطة قمة استقطابها مؤسسة الأزهر بصورةٍ لافتةٍ ومؤثِّرة. وقد تمثل ذلك الاستقطاب في علامتين فارقتين في واقعنا المعاصر:
الأولى:كون شيخ الأزهر موظَّفًا في الحكومة، بتعبير شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي (ت: 10 مارس 2010م/24 ربيعالأول 1431هـ) مُدَلِّلًا على مدى تأثير ذلك الاستقطاب في إدارة شؤون مؤسسة الأزهر بمختلف هيئاتها، ودخولها في دائرة الهيمنة السلطوية بصورة كان لها ما بعدها من التداعيات.
الثانية:تعيين شيخ الأزهر الاستاذ الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب (مواليد 6 يناير 1946م/3 صفر 1365هـ) عضوًا بلجنة السياسيات في الحزب الوطني الديمقراطي، الذي كان يترأسه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (ت: 25 فبراير 2020م). وعلى خلفية تعيينه، رفض شيخ الأزهر مطالبات البعض بضرورة استقالته من الحزب، بقوله: «لا أرى علاقة مطلقا بين أن يكون الفرد شيخا للأزهر وبين انتمائه للحزب الوطني، وعضويته في المكتب السياسي بالحزب، لأن المطلوب أن يعمل من يتولى منصب شيخ الأزهر لمصلحة الأزهر، وليس مطلوبًا منه مطلقًا أو فيأية مؤسسة أخرى بالدولة أن يعارض النظام»([20]). وبذا عبَّر الشيخ عن قناعته بأن معارضة النظام ضد مصلحة الأزهر! وأن على شيخ الأزهر أن يدور مع النظام حيث دار.
وبوجهٍ عام، فقد صَدَّقت االعشرينية الأولى من القرن الحادي والعشرين على التخمينات الافتراضية التي تُشير إلى أنَّ تسكين الأزهر على خريطة الجهاز البيروقراطي للدولة قد بات من بديهيات الأمر الواقع بطبيعة الحال؛ وهو الأمر الذي سيسهم في تفسير العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين مؤسسة الأزهر، على الرغم من كونها تضمُّ أعضاء في فاعلين في الجماعة؛لكنها في المحصلة النهائية كانت مؤسسة حكومية تستقي توجُّهاتها من إرادة الدولة، أو بالأحرى تعكس في توجُّهاتها إرادة الدولة، أو بالأحرى السلطة! ومن ثَمَّ من البديهية المنهجية أننا حين نكون بصدد تحليل موقف مؤسسة الأزهر من الإخوان؛ فلا بد أن نستحضر مجموعة من المواقف ذات الصلة، والتي تشتبك بصورة أو بأخرى مع علاقة الأزهر بالإخوان المسلمين.
ليس بوسعِ أحَدٍ التشكيك في النزعة الوطنية التي هي جزءُ أصيل في هوية الأزهر الإسلامية، إلا أن الموقف الأزهري الرسمي لم يخرج في بداية الثورة عن المتوقع منه، بحكم أن شيخ الأزهر جزءٌ من كيان الدولة، فقد استقر الأمر بعد إلغاء استقلالية الأزهر والاستيلاء على أوقافه من قبل عبد الناصر، أصبح شيخ الأزهر تابعا للنظام السياسي الذي أتى به، ومن هنا جاء موقف الدكتور أحمد الطيب من ثورة يناير أول أمرها، حيث ذكر كلامًا عامًا حول وجوب سلمية التظاهرات، مع التأكيد الدائمعلى الثقة في القيادة الرشيدة الحكيمة للرئيس مبارك والقيادات الأمنية.وتأكَّد موقف شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب السلبي من هذه التظاهرات، وانحيازه مع نظام مبارك، يوم «جمعة الغضب»الموافق 28 يناير 2011م، حيث بدأت أسقف المطالبات تعلو، وإذا بصحيفة «صوت الأزهر» الصوت الرسمي للأزهر جامعا وجامعةً، تنشر تهنئةً إلى وزير الداخلية اللواء حبيب العدلي، مع صورة كبيرة له، بمناسبة «عيد الشرطة».
ومثل هذا التصرف ، يدل على المعتاد من المؤسسة الدينية الرسمية طوال عقود نظام مبارك وما قبلها: التأييد الدائم، والمباركة المستمرة، دون اعتبار لموقف الشعب الحقيقي من النظام ورموزه.
ومع تصاعد أحداث التظاهرات بعد «موقعة الجمل» 2 فبراير 2011م؛التي خلّفت قدرًا هائلاً من الغضب، صدر بيان من شيخ الأزهر في اليوم التالي؛ 3 فبراير 2011ميدعو شباب الميدان إلى العودة إلى بيوتهم، وتهدئة الأوضاع، كما دعا إلى انتخاب مجموعة منهم للاجتماع معه للتباحث في حل الأزمة،وحثَّهم على «التعقل»،إذإن هذه الأحداث يراد بها – بحسب رأيه-"تفتيت مصر، وتصفية حسابات، وتنفيذ أجندات خارجية"، وقال: «أناشد المحتجين كوالدهم، فلا يوجد من في قلبه مثقال ذرة من دين يريد أن يغمس يده في ما يحدث»([21]).
وحذر الشيخ في 7 فبراير 2011م من "إثارة المشاعر، واللعب على عواطف الجماهير، متهمًا الشيوخ والعلماء الذين يؤيدون الثورة بأنهم يدعون "إلى فتنة حرَّمها الله ورسوله وأجمع المسلمون كافةً على تأثيم كل من يدعو إليها".
وفي يوم التنحي 11 فبراير، وقبل إعلانه بساعات، صرح الإمام الأكبر للتلفزيون الحكومي بأن المظاهرات أصبحتحراما، حيث تحققت مطالب الميدان، وانتهى "النظام بقرار الرئيس تعيين نائبه اللواء عمر سليمان بالصلاحيات المطلوبة"..وهو الموقف الذي اضطر لاحقا، وأكثرَ من مرة، إلى الاعتذار عنه، مبررا إياه بأن دافعه كان حقنَ الدماء وتهدئةَ الأمور !
وزاد موقف المؤسسة الأزهرية حرجا، وتأكيدا لمساندتها النظامَ المتداعي، بنفي مكتب شيخ الأزهر في اليوم ذاته 11 فبراير 2011م ما تردد عن استقالته، حيث كانت شائعات قد ترددت صباح اليوم السابق عن استقالة الطيب احتجاجًا على القمع الذي يمارسه النظام مع المتظاهرين المطالبين بتنحي مبارك.([22]).
لكي نستجلي موقف مؤسسة الأزهر من الإخوان، ولاسيّما خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، فلا بد من الوقف عند بعض المحطات المفصلية في دراسة تلك العلاقة وتطوراتها بصورة متوازنة ومنهجية.
في ظل عداء نظام مبارك للإخوان المسلمين فإننا لا نتصور موقفًا مستقلاً للأزهر، فضلاً عن تصور موقف مناصر للحق والعدالة؛ التي تخالف بالضرورة أجواء العداوة وتجاوزات السلطة. مع استحضار انحيازات الأزهر السابقة ضد الجماعة في فترات الصدام مع السلطة أيام عبد الناصر
وسوف نأخذ حادثة العرض الرياضي الذي نظمه طلاب الأزهر في ديسمبر 2006م، والذي أسمته الدعاية الحكومية وقتها "عرض ميليشيات جامعة الأزهر" أو "العرض العسكري"، وحدة لتحليل تطور العلاقة بين الأزهر والإخوان، وقد كان وقتها الشيخ طنطاوي شيخًا للأزهر، وكان الدكتور الطيب رئيسًا لجامعة الأزهر قبل أن يلي المشيخة سنة 2010. وكان سبب ذلك استبعاد 209 منطلابالإخوانمنالسكنالجامعي، وفصل رئيس الجامعة 5 من طلاب الاتحاد الحر، الذي يوازي اتحاد الطلاب، بعد التدخلات الأمني في انتخابات اتحادات الطلاب على مستوى الجمهورية، فتظاهر نحو 3 آلاف طالب في حرم الجامعة وفي المدينة الجامعية، وقاموا بعرض رياضي لألعاب الكونغ فو والكاراتيه، وهم يلبسون ملابس سوداء، ويضعون عصائب كتب عليها "صامدون" و "عائدون"، وقال مرشد الإخوان وقتها إنها اسكتشات تمثيلية لما يحدث في فلسطين، بينما صدّرها الإعلام على أنه عروض قتالية، وميليشيات إخوانية[23]، وقد ألقي القبض وقتها على 97 منهم، وأحيلوامع عدد من قيادات جماعة الإخوان إلى التحقيق، ثم تمت إحالتهم إلى محكمة عسكرية،قضتبإدانة 25 بالحبسمابين 3 و10 سنوات،عليرأسهمخيرتالشاطرنائبالمرشد.
ويمكنتلخيصموقفالأزهر وقتهافيالنقاطالتالية:
- صدر بيان من الطلاب أوضحوا فيه سلامة قصدهم، واعتذروا فيه عن عملهم الذي أسيء فهم القصد منه، وفقما ذكره نصقرار الاتهام المقدم إلى النيابة بحقهم[24]
- أعلنرئيسالجامعةد. أحمدالطيبأنه "لايمكنأنتتحولجامعةالأزهرإليساحةللإخوان،أوجامعةلحسنالبنا" مؤسسالجماعة.وقالالشيخعصامتليمةإنه كلم الدكتورأحمدالطيبعما حدث وقتها، فقال: هؤلاءطلبةقليلوالأدب،وأنابلغتعنهمالأمن".
- استنكرشيخُالأزهرآنذاكالدكتورطنطاويالحادثة،واعتبرهاتصرفًاغيرمقبولداخلالحرمالجامعي. واصفًا العرضبأنهغيرلائقبمكانةالأزهركمنارةدينيةوعلمية،مؤكدًاأنالجامعةيجبأنتكونمكانًاللعلم،وليسللنشاطالسياسيأوالعسكري. ورأىأنهذاالتصرفيسيءإلىالأزهرويُظهرهكبيئةغيرمنضبطة،مماقديضربسمعتهمحليًاودوليًا.
- لمتتدخلمشيخةالأزهرولا رئيس جامعتها لحمايةالطلابمنالملاحقةالأمنية،ولم تستنكر اعتقالهم من المدينة الجامعية التي هي جزء من الجامعة، وتقع تحت ولاية رئيسها وشيخ الأزهر، ولمتُبدِهذه ولا تلك أياعتراضعلنيعلىإحالةالقضيةإلىالقضاء العسكري،ممااعتُبرضمنيًاموافقةعلىاتخاذإجراءاتقانونيةاستثنائية ضدالطلاب؛ بلاتخذتإدارةجامعةالأزهرقراراتبفصلعددمنالطلابالمشاركينفيالعرضالرياضي.
- وبرغمالإدانة،لمتتبنَّمشيخةالأزهرموقفًاتصعيديًاضدجماعةالإخوان،ربماحرصًاعلىالحفاظعلىالتوازنداخلالمؤسسةالتيكانبهاطلابوأساتذةمتعاطفونمعالجماعة.وربما لأن الحكومة وأجهزة إعلامها قد قامت بما لا مزيد عليه.
ربماتَزايُد القلق داخلمؤسسة الأزهرتجاهتزايدنفوذالإخوانفيها،وربمارأتالقيادةالأزهريةفيالحادثةفرصةلتقليصنفوذالجماعةداخلأروقةالمؤسسة.
ووفرتتلك الحادثة للوسط الثقافي والإعلامي المعادي وجبة دسمة على مائدة المزايدات السياسية على الجماعة وتاريخها. وتركت أثرًا سيئًاعلى علاقة الإخوان مع مؤسسة الأزهر، وخلقت حرجًا لم تزله الاعتذارات ولا البيانات التصحيحية.
بعد فوز الرئيس محمد مرسي بانتخابات رئاسة الجمهورية وإحداث بعض التغييرات في أجهزة الدولة ومناصبها؛ سرت موجة من التخوف داخل الأزهر أن يتم عزل شيخ الأزهر وتولية أحد علماء الإخوان من مكانه، وتردد اسم الدكتور يوسف القرضاوي في هذا الشأن، ولم يكن لهذه التخوفات نصيب من الصحة، لكنها سرت في لفيف الشائعات حول "أخونة الدولة" التي ملأت الفضاء السياسي آنذاك.
وكان من الواجب التقاء الطرفين لإزالة الظنون المتراكمة، وتوضيح الصور الغائمة،ففي 3 مايو 2011، التقى شيخ الأزهر مع وفد من جماعة الإخوان المسلمين برئاسة المرشد العام للجماعة، الدكتور محمد بديع، وبصحبته المرشد السابق الأستاذ محمد مهدي عاكف، والدكتور عبد الرحمن البر، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر،وخلال هذا اللقاءقال شيخ الأزهر : «إن الجماعة لم تكن غائبة عن الأزهر، فهي متواجدة داخل مؤسسة الأزهر بقوة، كما أن نصف أعضاء الجماعة أزهريون، وليس هناك أي حرب بين الأزهر والإخوان، وإنما الجو العام أتاح للناس أن يلتقوا، وواجب على العلماء أن يلتقوا، ويتفقوا»([25]).
وأكدد. عبدالمعطيبيومي،مستشارشيخالأزهر،أنالثمارالمرجوةمنلقاءالمرشدالعاملجماعةالإخوانالمسلمينالإمامالأكبرلشيخالأزهر؛تبدأبتوحيدالحركاتالإسلامية،وتوعيةالدعاةوالعلماءبالمسئوليةالملقاةعلىعاتقهم،بمايحققمايليقبالإسلاممنتمكينفيالأرض.
وقالالدكتورمحمدبديع: إنالأزهروالإخوانيدواحدةلنشرالإسلامالوسطىفيالمجتمعالمصري. وقالالدكتورعبدالرحمنالبر: أكدالجانبانأنالأزهريمثلالبذورالتيتنشرالإسلامالوسطى،وأنالإخوانيمثلونالعملالحركيالذىيحملهذهالفكرةسلوكًاوعملاًفيوسطالمجتمع،ويقدمونهللأمة.
وتعكسهذه التصريحات وجود تقاطعات فكرية وتاريخية بين الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين، خاصة في المجالات الدعوية والتعليمية، دون أن يعني ذلك تطابقًا تامًا في الأدوار أو الأهداف بين المؤسستين.كما تؤكد أن الأزهر -حين أتيحت أمامه فرصة الحراك المستقل دون ضغوط سياسية - أدى أداء مختلفًا، وصحح بوصلة علاقاته مع الإسلام الدعوي والحركي الذي يقوم به الإخوان.
العلاقة من «نداء الكنانة» إلى «نداء مصر المحروسة»
وقعالانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو 2013، واقتيد الرئيس الشرعي إلى محبسه، وتمالعصفبجماعةالإخوان،سجنًاوقتلاًفيالشوارعوالميادين،وكانتمذابحالعسكرتترددأصداؤهافيأنحاءالبلادوخارجها: عند النصب التذكاري، وأمام الحرس الجمهوري، وفي ميدان رابعةالعدوية،وميدانالنهضة،وفيميدانرمسيس،وعندمسجد مصطفى محمود، وفي ميادين مختلفة بعواصم المحافظات وشوارعها. وانعقدت المحاكمات الاستثنائية والعسكرية، وقدم إليها لوف المناصرين للشرعية، وأصدرت أحكامًا سريعة بالجملة تقضي بإعدام المئات وحبس آخرين.. فخيَّمت على البلاد أجواء كئيبة من الرعب والفزع، ومن الحزن والأسى، بعد ثورة أمَّل فيها المصريونمستقبلاًأفضل لبلدهم وأمتهم.
حركت هذه الجرائم العلماء، فصدر نداء الكنانة في 9 من شهر شعبان 1434هـ الموافق 27مایو 2015م، ووقعه 159 من العلماء والدعاة والمدرسين في جامعات إسلامية وعشر منظمات؛ بشأن جرائم الانقلاب في مصر والواجب نحوه".
وقد وصف النداء "المنظومة الحاكمة" في مصر بأنها "منظومة مجرمة قاتلة، "انقلبت على إرادة الأمة واختيارها، وخطفت رئيسها الشرعي المنتخب"، داعيًا إلى "مقاومتهاوالإجهاز عليها بالوسائل المشروعة كافة. وأكد أن كل من يثبت يقينًا اشتراكهم ولو بالتحريض، في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق؛حكمهم في الشرع أنهم قتلة، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية"، وذكر أن "الدفاع بأية وسيلة مشروعة عن النفس والعرض والمال حق مشروع، بل واجب شرعي."
وفيما يتعلق بالمعتقلين قال النداءإنه يجب على الأمة السعي في بذل كل غال وثمين في سبيل تحريرهم، وفكاك حبسهم، بالوسائل المشروعة في دين الله."
أما فيما يتعلق بقرار محكمة جنايات القاهرة إحالة مرسي وعشرات المتهمين الآخرين إلى المفتي لاستطلاع الرأي الشرعي بإعدامهم، فقد حمَّل البيان مفتي مصر المسؤولية الشرعية والجنائية عن الأرواح البريئة التي وافق على إعدامها، وحذَّره من مغبة الموافقة على المزيد من أحكام القتل الجائرة. وأفتى الموقعون على البيان بتحريم وتجريم كل مساعدة للنظام في بغيه، وأكدوا أن كل ما ترتب على الانقلاب باطل شرعا وقانونا، وأنهم يعتبرون مرسي الرئيس الشرعي المنتخب لمصر.
وأدان الموقعون من العلماء والدعاة مشاركة شيخ الأزهر في الانقلاب، واعتبروا أن شرعيته سقطت.
وحمّلوا مفتي مصر المسؤولية الشرعية والجنائية عما سماها البيان "الأرواح البريئة" التي وافق على إعدامها. وحذر البيان المفتي من عواقب التوقيع على ما وصفها بأحكام القتل الجائرة.
وطالب البيان قادة الدول العربية والإسلامية والعلماء والمثقفين في العالم إلى التدخل لحماية مصر مما سماه "إجرام" النظام الحالي، والانتصار لإرادة الشعب وخياره، واستنكر موقف الدول الداعمة للانقلاب.
وطالب القوى المعارضة في مصر بالتوحد في مواجهة "هذه المنظومة المجرمة"، مستخدمين الوسائل المناسبة كالعصيان المدني وغيره.
وختم البيان نداءه بذكر أسماء العلماء والجمعيات الموقعة عليه([26]).
ورحبت جماعة الإخوان المسلمين ببيان نداء الكنانة، واعتبرته "واجب الفتوى الشرعية في مواجهة جرائم العسكر الانقلابيين، وآخرها أحكام الإعدام بحق الرئيس الشرعي د. محمد مرسي ومئات الأبرياء من المصريين الثائرين ضد الطغيان.([27])
شيخ الأزهر والنداءات المتعارضة:
رد علماء الأزهر يوم الثلاثاء11/أغسطس/2015م على "نداء الكنانة" بـ "نداء المحروسة"، وبعض المواقع تنسب "نداء المحروسة" إلى علماء الأزهر، وهيالأكثر، والقليل من المواقع نسبه لشيخ الأزهر، ومنالمواقع التي نسبت الرد إلى علماء الأزهر: موقع صدى البلد([28]) والمصري اليوم([29])، ونسبه موقع حياتي إلى "الأزهر الشريف بكل هيئاته" ([30])
ونسبه "موقع الوطن"صراحة لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب[31].
ودافع "نداء مصر المحروسة" عن قادة الانقلاب، فقال: "أن حكام مصر الحاليين لم يقتلوا أحدًا، وإنما القتلة هم الذين غرروا بالمتظاهرين والمعتصمين من أتباعهم، وأفتوهم، وحللوا لهم الخروج المسلح على الجيش والشرطة والشعب، من أجل حكم الناس رغم أنوفهم. ودفعوا بأبناء الفقراء والبسطاء إلى التهلكة والموت، بينما كثير من كبرائهم يتمتعون برغد العيش في ظل حماية حكومات حاقدة على مصر وشعبها».ورفض البيان وصف الانقلابيين بأنهم "ظاهروا أعداء الأمة ووالوا الصهاينة"، ووصف نظام حكم الرئيس مرسي والإخوان بأنه هو الذي "عزله شعبه"،وهو "الذي ناصر أعداء الأُمَّة وحكَمَ مصر عامًا كاملًا لم يجاهر فيه بموقف عدائي واحد تجاه أعداء مصر والمتربصين بها"، وهذا أمر معروف للجميع، بل إن مصر عانت وعانى شعبها في ظل هذا الحكم أزمات اقتصادية خانقة، واضطرابات لم تمر بمثلها منذ قرون مضت".
ودافع عن شيخ الأزهر في حضوره مشهد الانقلاب وعن المفتي في تحمله المسؤولية الشرعية والجنائية عن الأرواح البريئة، وشكك في الهيئات الشرعية التي وقعت على نداء الكنانة، ودافع البيان عن القضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين الذين شاركوا في سفك الدماء البريئة».([32])
وقد أشاد المفتي بنداء "مصر المحروسة" ومدحه بأجمل العبارات([33]).وثمنت الدعوة السلفية بيان الأزهر الشريف، ودافعت عن مضمونه([34]).وكذا فعل المجلس الأعلى للطرق الصوفية ([35])،ونقيب الأشراف([36])
ومن خلال ما سبق عرضه عن نداء "مصر المحروسة" الذي رد على نداء الكنانة، يتبين لنا بيقين، أن الأزهر بصفته الرسمية هو الذي أصدر البيان، وأن المواقع التي نسبته إلى "علماء الأزهر" لم تقصد نفي نسبته إلى الشيخ، فهؤلاء العلماء لم يتطوعوا بالرد من ذوات أنفسهم، إنما كلفوا من جهة المشيخة[37]، وكان في وسع الشيخ أن ينفي صلته بالبيان، أو يسعى للرد عليه إن أراد، ولكنه لم يفعل، مما يدل على قناعته بما ورد فيه، وربما تحرج من ظهور اسمه على بيان كهذا في وقت عصيب، تتوارد عليه كل الاحتمالات، باستقرار الانقلاب، أو عودة الشرعية، أو الدخول في فوضى لن تدع أحدًا دون مضرة.
على أن رابطة علماء أهل السنة - التي تبنت "نداء الكنانة" –عادت فقدمت ردًا قويًّا على نداء مصر المحروسة، وفنَّدت الأدلة التي ارتكز عليها، وأعادت التأكيد على ثوابتها بفرضيةمناصرة شرعية الرئيس، ومقاومة الانقلاب([38]).
الفصل الثاني
الإخوان والأزهر
محطاتوثائقية على طريق استقلال المؤسسة الدينية
في أعقاب سقوط حسني مبارك، شباط/فبراير 2011، أتاح الفراغ السياسي والاجتماعي في مصر للأزهر فرصة محدودة للإفلات من هيمنة الدولة،وأن يفيد من السياق السياسي الجديد لتحقيقمساحة من الاستقلالية([39]).
وفي فترة إدارة المجلس العسكري أصبح استقلال الأزهر رسميّا إلى حدٍّ كبير، حيث أصدر المجلس العسكري -الذي كان يمتلك السلطة التشريعية والتنفيذية بشكلٍ أحاديّ - بالاتفاق مع شيخ الأزهر تعديلات على القانون 103 لسنة 1961م منحت الأزهر وضعًا شبه مستقل، ثم جاء دستور الثورة سنة 2012 ليعزز ذلك الاستقلال، ولينفي بشكل قاطع ادعاءات المخالفين بسعي الإخوان المسلمين إلى تقليص صلاحيات الأزهر وشيخه، أو التغول عليها.
ويحسن هنا أن نشير إلى تعديلات القانون 103 التي تمت في ظرف مريب، ونص الدستور الخاص بالأزهر كلٍّ على حدة:
تعديلاتالقانون 103:
أعادت التعديلات التي أُدخِلَت على القانون 103لسنة 1961 إحياء هيئة كبار علماء الأزهر، وحقّ الهيئة في انتخاب شيخ الأزهر، واختيار المفتي، وأن يقوم شيخ الأزهر بتعيين أول تشكيل لها، وهو نص معيب؛ إذ يختار شيخ الأزهر الهيئة التي سيوكل إليها اختياره.
وحدد التعديل الشروط الواجب توافرها فيمن يُختار شيخًًا للأزهر، وهي شروط مثيرة للجدل، تبدو كأنها صُممت بطريقة خاصة لتناسب شيخ الأزهر الحالي –الدكتور الطيب-، وتستبعد مرشحين آخرين محتملين، فنصت على أن يكون من أبوين مصريين، وأن يكون حاملاً للجنسية المصرية وحدها، مما يخالف عُرفًا سابقًا لا يشترطذلك، وقد كان الشيخ محمد الخضر حسين شيخًا للأزهر في مطلع ثورة 1952 وهو تونسي، وفُهم من ذلك الشرط الحيلولة دون اختيار الدكتور يوسف القرضاوي شيخًا للأزهر، الحامل الجنسيتين المصرية والقطرية، وكانت بعض الترشيحات تتجه نحوه، وبخاصة بعد ارتفاع شعبية الإخوان وفوزهم مع حلفائهم في انتخابات البرلمان بأغلبية معتبرة.
كما نصت الشروط على أن يكون الشيخ مختصًا في دراسات شرعية معينة، وأن يكون قد تدرج في تعليمه قبل الجامعي بالمعاهد الدينية الأزهرية،..بل جرى النص نفسه على من يختار عضوًا في هيئة كبار العلماء.مما فُهم منه منع ترشح الدكتور علي جمعة المفتي المتشوف إلى المشيخة، بل منع استمراره مفتيًا.
أما عن موعد إصدار ذلك التعديل فقد كان في نفس يوم انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب الجديد الاثنين 23/1 ، ولكنه نُشر في الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية» بتاريخ سابق هو 19/1، وفي هذه المسألة يقول الأستاذ فهمي هويدي: "هذه الخلفية -التي تعد التفافا على القانون وتحايلا عليه- تثير عددا من علامات الاستفهام والتعجب، منها ما يتعلق بأسباب التعجل في إصدار القانون والحرص على تجنب عرضه على مجلس الشعب، منها أيضا ما يتعلق بمدى دستورية التصرف، لأن المجلس العسكري أصدر القانون في الوقت الذى انتقلت فيه سلطة التشريع إلى مجلس الشعب منذ انتخابه وإعلان النتائج الرسمية يوم السبت 21/1، وحتى إذا افترضنا جدلاً أن القانون صدر يوم الخميس 19 يناير، فإنه يظل مستغربا ومثيرا للدهشة أن يصدر المجلس العسكري تشريعًا لا مبرر للاستعجال فيه يوم الخميس، مع علمه بأن سلطة التشريع سوف تنزع منه يوم السبت" ثم يتساءل عن ذلك القانون: "لماذا تم تهريبه من وراء ظهر مجلس الشعب حتى لا يتعرض للمناقشة، فجاء مولودًا -ليس مشوها فحسب- ولكن مطعونًا في نسبه أيضًا"([40]).
يزيل شيخ الأزهر بنفسه ذلك التعجب في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف القومية بتاريخ 21 ديسمبر 2014، أي بعد الانقلاب على الرئيس والإخوان، حيث ذكرأنه طالب بتعديل القانون "تفاديًا لما حدث قبل ذلك من محاولات الإخوان ومرسى تعيين شيخ الأزهر الذى يختارونه" ويقول: "، وسابقنا الزمن"، واستطعنا الحصول على موافقة المجلس العسكري قبل انعقاد مجلس شعب الإخوان، وحذرت الإخوان من المساس بقانونه، وهددتهم بالاستقالة وأن عليهم تحمل الاضطرابات الداخلية التي قد تحدث بسبب ذلك"([41])!
وهو تصرف كان ينبغي أن يتنزه عنه شيخ الأزهر، إذ يعدّ تحايلاً على المجلس النيابي المنتخب انتخابًا حرًا غير مسبوق لتحقيق ما يراه مصلحة، وقد لا يراها نواب الشعب كذلك.
ولم يبدِ الإخوان ما يُفهم منه رغبتهم في عزل شيخ الأزهر أو تعيين أحدهم مكانه، بالرغم من مآخذ الثوار عليه لأنه كان أحد المسؤولين السابقين في نظام مبارك، وكان عضوًا بلجنة السياسات بالحزب الوطني الذي قاد البلاد لهاوية ثار الشعب عليها في 25 يناير، بل المقطوع به أن الإخوان حالوا دون تشريع يؤدي لعزله كان مقترحًا للنقاش في مجلس الشعب إبان حكم الرئيس مرسي، وكان توجههم إلى تحقيق مزيد من الاستقلال للأزهر، كما يتضح في دستور الثورة سنة 2012.
استقلالية الأزهر وفق دستور 2012م
نصّ دستور عام 2012م في مادته الرابعة على أنّ "الأزهرالشريفهيئةإسلاميةمستقلةجامعة،يختصدونغيرهبالقيامعلىكافةشؤونه،ويتولىنشرالدعوةالإسلاميةوعلومالدينواللغةالعربيةفيمصروالعالم،ويؤخذرأىهيئةكبارالعلماءبالأزهرالشريففيالشؤونالمتعلقةبالشريعةالإسلامية"([42])
[43][44]الإخوان في "وثيقة الأزهر حول استكمال أهداف الثورة المصرية"
صدرت هذه الوثيقة في 17 من شهر صفر 1433ﻫ، الموافق 11 من شهر يناير 2012م، حيث دعا شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب كل القوى الثورية إلى التوافق عليها واعتمادها، وأعلنت تلك القوى في بيانها، التزامها بالحفاظ على روح ميدان التحرير، كما كانت خلال الأيام الثمانية عشرة، التي غيرت مجرى التاريخ المصري، وجمعت كل أبناء الوطن على كلمة سواء.
وأهم ما ورد في الوثيقة: أنها تستنكر مثول المدنيين أمام المحاكمات العسكرية، وتطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين،وضرورة استكمال الوفاء بحقوق أسر الشهداء والمصابين،وإتمام تسليم السلطة للمدنيين في موعده المحدد دون إبطاء، والالتزام بما أسفرت عنه الانتخابات النزيهة الحرة من نتائج، كما تؤكدعلى ضرورة عودة الجيش الوطني إلى دوره في حراسة حدود مصر وأمنها القومي([45]).
وكان العديد من ممثلي القوى والأحزاب السياسية في مصر، قد شاركوا في اللقاء الذي دعا له شيخ الأزهر، تحت عنوان «نحو استعادة روح وقيم الثورة المصرية واستكمال أهدافها»، وحضرها المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، والدكتور محمد مرسي كما حضرها رأس السلطة الكنسية في مصر البابا شنودة الثالث ([46]).
وثيقة القدس بين الأزهر والإخوان
ثمة أكثر من دليلٍ على أنَّ مؤسسة الأزهر لم تكن راغبة في التصادم مع الإخوان، ولكنَّ هذه الرغبة قد عَزَّزَتها ظروف التغيير السياسي الحاصل في أعقاب ثورة يناير، وكان الأجواء مواتيةً للتنسيق بصورة أو بأخرى بينهما ولا سيما في القضايا التي تتقاطع فيها جهود الأمة بمختلف مؤسساتها.
وفي سياق الاهتمام المشترك بقضية القدس وفلسطين، صدرت وثيقة في 24 من شهر ذي الحجة 1433هـ الموافق 20 من شهر نوفمبر 2011م تزامنًا مع تصاعد وتيرة التهويد الصهيوني لمدينة القدس الشريف، وهي وثيقة تؤكد على عروبة القدس التي تضرب في أعماق التاريخ لأكثر من ستين قرنًا، وساقت الوثيقة الأحداث التاريخية التي تبرهن على عروبة مدينة القدس، كما كررت رفض الأزهر الشريف والمسلمين كافة مشروعات الكيان الصهيوني التي تهدف إلى تهويد القدس وطمس هويتها العربية([47]).
وقالت مصادر بالمشيخة: «إنَّ شيخ الأزهر قَدَّمَ توجيهاته لصياغة وثيقة بشأن القدس تتفق عليها كل رموز الأمة من مسلمين وأقباط وأحزاب ونقابات وجماعات ورموز سياسية وفكرية وفنية ورياضية، إضافة إلى الأقباط والعديد من علماء الأمة، ودعوة كافة التيارات للتوقيع عليها». وقد نُشِرَ خَبَرُ تنسيق شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب مع فضيلة العلامة القرضاوي حول قضية تهويد القدس، وأضاف الخبر أن الشيخين: الطيب والقرضاوي استعرضا أهم المشروعات التي يشرف عليها الأزهر؛ كوثيقة الأزهر، ومشروع منهج القدس التعليمي، وإقامة مركز ثقافي عن القدس([48]).
وقد عهِدَ بكتابة هذه الوثيقة إلى الدكتور محمد عمارة، وهو شخصية وطنية ذات رمزية توافقية بين الأزهر وبين جماعة الإخوان المسلمين، فيما تولَّى شيخ الأزهر دعوة كافة التيارات السياسية والشعبية للتوقيع عليها إضافة إلى الأقباط والعديد من علماء الأمة لرفض عمليات التهويد.
وقد تم التنسيق مع الحملة الشعبية لمقاومة تهويد القدس صباح يوم الأحد المقبل الموافق 20-11-2011م. وقد قامت الحملة بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين وعدد من القوى والتيارات السياسية للمشاركة في مليونيه القدس يوم 25 نوفمبر 2011م.
وثيقة الأزهر لنبذ العنف وإرهاصات التعريض بالإخوان
صدرت هذه الوثيقة في 19من شهرربيع أول سنة 1434هـ الموافق 31 يناير 2013م في عهد رئاسة الدكتور مرسي، بعد توليه الحكم بسبعة أشهر، حيث أصدر شيخ الأزهر وثيقة بعنوان "وثيقة الأزهر لنبذ العنف" وصدرت باسم جمهرة من شباب الثورة، وباسم الأزهر الشريف، وبمشاركة طائفة من هيئة كبار العلماء، وممثلي الكنائس المصرية، حيث قالوا: نعلن التزامنا بالمبادئ الوطنية والقيم العليا لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، وأكدت الوثيقة على مجموعة من المبادئ، على رأسها حق الإنسان في الحياة، وحرمة الدماء والممتلكات الوطنية، وواجبات الدولة الأمنية تجاه مواطنيها، ونبذ العنف بكل صوره، والتحريض عليه، والالتزام بالحوار الجاد، وحماية النسيج الوطني من الفتن الطائفية، وفي الختام جاء فيها:
"ونحنُ إذ نُعلِنُ إيمانَنا بهذه المبادِئِ ... ندعو كلَّ السِّياسيِّينَ؛ قادةً أو ناشطينَ، إلى الالتِزامِ بها، وتطهيرِ حياتِنا السياسيَّةِ من مخاطِرِ وأشكالِ العُنفِ، أيًّا كانت مُبرِّراتُها أو شعاراتُها، وندعو كلَّ أبناءِ الوطنِ؛ حُكَّامًا ومحكومينَ، ... إلى المصالحةِ، ونبذِ العنفِ، وتَفعيلِ الحوارِ - والحوار الجاد وحدَه - في أمورِ الخِلافِ، وتَرْكِ الحُقوقِ للقَضاءِ العادِلِ، واحتِرامِ إرادةِ الشَّعبِ، وإعلاءِ سيادةِ القانونِ؛ سَعْيًا إلى استِكمالِ أَهْدافِ ثَورةِ الخامس والعشرين كاملةً- بإذْن الله([49]).
وقع على الوثيقة الدكتور سعد الكتاتني عن حزب الحرية والعدالة والدكتور محمود عزت نائبا عن المرشد العام للإخوان المسلمين وعدد من رؤساء الأحزاب ورموز القوى السياسية والشخصيات العامة.
ويبدو أنَّ هذه الوثيقة - بقدر ما تتضمنه من قيم حافظة للحريات وضابطة للأمن-ربما كانت مقدمة لتأمين أيَّة مظاهرات مضادة من التدخلات الأمنية لحكومة الرئيس مرسي. كما أنها يمكن تُفَسَّرَ على محمل يُعزّز من المواقف التحضيرية للانقلاب، وحماية كُلِّ اتِّجاهٍ في المضي إلى هذه الغاية، بعدما بات هذا الانقلاب مسألة وقت لدى العليمين ببواطن الأمور؛
فبرغم أن الوثيقة لم تذكر جماعة الإخوان المسلمين بشكل مباشر، بل وقع عليها بعض قادتها؛ إلا أن توقيتها ونصوصها حملت إشارات ضمنية إلى مسؤولية الجماعة عن الأزمة السياسية والعنف المتصاعد، حيث أكدت الوثيقة على عدة مبادئ رئيسية، منها:
- عدم استخدام الدين كأداة في الصراع السياسي، وهو ما اعتُبر انتقادًا لخطاب الإخوان الذي يرون أنهيوظف الدين في المجال السياسي.
- رفض العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية، في إشارة إلى المواجهات الدامية التي وقعت بين الإخوان ومعارضيهم.
وقد كان لشيخ الأزهر، أحمد الطيب، دورٌ بارزٌ في صياغة الوثيقة، وحرص على تقديم الأزهر كمرجعية وطنية محايدة، تقف ضد العنف والانقسام. وكان موقف الأزهر خلال هذه الفترة يميل إلى الحياد العلني، لكنه في الوقت نفسه بدأ يتخذ مواقف مجافيةللإخوان، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد حكم مرسي.
وقد عُدَّت الوثيقة إحدى المحطات التي أسهمت في عزل الإخوان سياسيًا، حيث تبناها عدد من الشخصيات العامة والسياسية، بمن فيهم معارضو الجماعة.
وعلى أيَّةِ حالٍ، فإنَّ هذه الوثائق المنسوبة إلى مشيخة الأزهر تأتي في ضمن سلسلة من الوثائق المهمة التي تُشير بصورة أو بأخرى إلى رغبة الأزهر في تغيير الواقع المصري إلى نحو أفضل من منظور توافقي بين مختلف الأطياف الوطنية، وفي القلب منها الإخوان المسلمون. وقد تضمنت تلك الوثائق من الفوائد العلمية والعملية الكثير، وهي في غالبها قيم ومبادئ عامة، تصلح أن تكون مادة للإفادة منها عند وضع أي دستور أو قانون، وأهم فوائدها: أنها أصَّلَت للجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأن الإسلام بمقاصده وقيمه صالح لكل زمان ومكان.
غير هذا لا يمنع من القول إنَّ تلك الوثائق كانت في مجملها قطعًا للطريق على الإخوان المسلمين من اخلال استباقهم بخطوة على الأقل، من أجل ضمان بقاء مقاليد الأمور بيد بعيدةٍ عن أيديهم. ولعل ما يؤيِّد هذه الحيثية الفصل التالي الذي يستعرض مواقف شيخ الأزهر ظهيرًا في مشهد الانقلاب.
الفصل الثالث
حضور شيخ الأزهر في مشهد الانقلاب
جولة الشيخ الخليجية وما وراءها:
كان التحرك الأخطر للدكتور الطيب قبل الانقلاب، حيث قام بجولته الخليجية في شهر إبريل 2013م، إلى كل من السعودية والإمارات؛ وهما الدولتان الضالعتان في مؤامرة الانقلاب تخطيطًا وتحريضًا وتمويلاً ودعمًا ومساندة حتى اليوم؛ حيث ترأس الطيب وفد الأزهر إلى الرياض يوم الخميس 18 إبريل 3013م الذي ضم عددًا من هيئة كبار العلماء([50]). وفي 27 إبريل ترأس الطيب وفدًا من كبار العلماء إلى دولة الإمارات العربية، حيث التقى محمد بن زايد وكبار المسئولين بدولة الإمارات؛ بدعوى استلام الطيب جائزة الشيخ زايد للكتاب، لاختياره شخصية العام الثقافية على مستوى العالم الإسلامي([51]).
هذه الجولات الخليجية المكثفة لشيخ الأزهر في هذا التوقيت كانت تمثل لغزًا أثار كثيرًا من علامات الاستفهام؛ وقد علق الأستاذ فهمي هويدي على هذه الزيارات في مقاله «رحلات شيخ الأزهر للخليج»، والمنشور على “بوابة الشروق” بتاريخ 11 مايو 2013م؛ حيث اعتبر أن هذه الزيارات الخليجية للطيب "تبعث على الحيرة والقلق بأكثر مما تبعث على الارتياح". وأضاف: "إنني أشم في تلك الزيارات رائحة السياسة التي هي في طبيعتها مشكوك في براءتها، ذلك أن شيخ الأزهر حين يدعى إلى مناسبات لا علاقة لها بالدور العلمي أو الدعوى الذي تقوم به المؤسسة الكبرى التي يرأسها، فإن ذلك لابد وأن يثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب، وحين يدعى الشيخ إلى بلد على غير صفاء أو وئام مع الدولة المصرية التي ينتمي إليها، فإن ذلك يفتح الباب لاحتمالات عدم البراءة، ومن ثم الشك في أهداف الزيارة التي قد يظن أن المراد بها فصل الأزهر عن الدولة.
وحتى إذا كان ذلك الاحتمال الأخير مبالغًا فيه؛ ويحمِّل الأمر أكثر مما يحتمل، فألذى لا شك فيه أن الشبهة قائمة، وثمة قرائن عدة تؤيدها، وحريٌّ بشيخ الأزهر ألا يضع نفسه في ذلك الموضع""([52]).
ثم جاء مشهد الانقلاب، ومثَّل حضور شيخ الأزهر فيه- مع قائد الانقلاب ورأس الكنيسة وبعض قادة الجيش وشباب التمرد - نقطة فاصلة في تلك الفترة الكئيبة من تاريخ مصر، حيث ترتب عليها منح الانقلاب فرصة لادعاء الشرعية التي اجتمع من أجلها هؤلاء الفرقاء، وترتب عليها عزل الرئيس المنتخب، واعتقاله، ثم محاكمته، مع ألوف من أنصاره، وتعطيل الدستور الذي وافق عليه الشعب، وفرض حكم استبدادي دموي، دفع الشعب بكل فئاته أثمانًا باهظة نتيجة الترويج له.
وفيمايلي نرصد أهم حيثياتموقف شيخ الأزهر في مشهد الحضور هذا، وما لها من تأثير في المشهد الثوري المصري العام.
البيان الذي أصدره شيخ الأزهر قبل الانقلاب بأسبوعين؛في 10 من شهر شعبان 1434هـ الموافق 19 يونية 2013م.
كان صدور هذا البيان قبل وقوع الانقلاب بأيام، في أجواء شديدة الخطر، ونذر هددت الشرعية التي جاءت بالرئيس ومجلس شوراه ودستوره،وكانت الفكرة المركزية التي تمحورت حولها مضامين البيان: «المعارضة السلمية لولي الأمر الشرعي جائزة ومباحة شرعا، ولا علاقة لها بالإيمان والكفر»([53]).
كانتمقاصدالبيان منسجمة تمامًا مع الحشد العام ضد الرئيس مرسي، من الدولة العميقة وأدواتها الإعلامية وحركة تمرد التي توجهها، في حين لم يصدر شيخ الأزهر مثل هذه الفتوى سابقًا في حق مبارك أو المجلس العسكري، ولا بعد الانقلاب الذي أغرق البلاد بالدماء، بل أفتى في حق مبارك بعكسها، وقضى بحرمة معارضته والتظاهر ضده، وطلب من المتظاهرين العودة إلى منازلهم، وترك الميادين.
ولا شك أن البيان كان ردة فعل لمن حرم الخروج على الحاكم من منطلق شرعي، وأتى استجابة لتساؤل قوى المعارضة عن جواز الخروج للتظاهر ضد الدكتور مرسي، وبعد ظهور شيخ الأزهر نفسه إلى جانب شخصيات أخرى ممثلاً المؤسسة الدينية على المنصة التي أذيع منها البيان للانقلاب، يمكن لأي محلل سياسي أن يفترض أن شيخ الأزهر أصدر فتواه ضمن سلسة التحضير للانقلاب العسكري([54]).
ومن هنا تكمن أهمية هذا البيان الذي مضمونه لا غبار عليه شرعا، لكنه في وقته كان بمثابة تمهيدا للانقلاب على الرئيس الشرعي للبلاد.
واعتبرته مقالات العلماء وشهادات الدعاةدعوة مبطنة للعنف والفوضى، وإراقة الدماء، وإحداث فتنة في المجتمع"، كما أنه لم ينظر إلى " السياق الذي يصدر فيه هذا البيان واستيعاب الواقع الذي يصدر فيه، فإن هذا بيان يثير الريبة، فالبيانات والفتاوى والأقوال والآراء يجب أن تراعي السياق الذي تصدر فيه، والمآل الذي تصير إليه، وهذا هو الفقه الحقيقي.
ذلك، أن السياق الذي يرد فيه هذا البيان هو سياق صراع ومنافسة شديدة يمارس فيها أتباع الثورة المضادة ضد أنصار الرئيس الشرعي العنف والتقتيل والتخريب، فالبيان بهذا يصب الزيت على النار.
ومن ناحية المآل فالبيان يقول مفهومه للناس: "إن الخروج المسلح على الحاكم ليس كفرا، وإنما هو معصية، فانزلوا أيها الناس بالسلاح، واخرجوا على الحاكم فلستم بكافرين، وإنما هي معصية كبيرة، والله غفور رحيم"([55]).
هذا البيان أبرزته غالب وسائل الإعلام المعارضة للدكتور مرسي بعناوين رئيسة مثل: "أجاز شيخ الأزهر خروج التظاهرات السلمية ضد الرئيس المصري محمد مرسي"([56]).
بيان شيخ الأزهر في مشهد الانقلاب في 3/7/2013م:
ذكر شيخ الأزهر في هذا البيان أن "مصر الآن أمام خيارين أحلاهما مر، وأشد الأمرين مرارة هو صدام الشعب المصري، وسيلان دمه الزكي على التراب، لذلك - وعملاً بقانون الشرع الإسلامي، القائل: بأن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعا، وخروجا من المأزق السياسي الذي وقع فيه شعب مصر، بين مؤيد للنظام ومعارض لاستمراره، وكل متمسك برأيه، لا يتزحزح عنه- لذلك كله، أيدت الرأي الذي انتهى إليه المجتمعون، وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، يحتكم فيها الشعب إلى صندوق انتخاب([57]).
الظاهر أن شيخ الأزهر قدر أخف الضررين بذاته وبنفسه، فلم تجتمع لذلك – فيما نعلم - هيئة كبار العلماء، ولا انعقد مجمع البحوث الإسلامية، رغم أهمية الأمر وخطورته، ولم يشاركه غيره من رموز أهل العلم في تقدير أخف الضررين، إنما واضح كل الوضوح أنه بيان معبر عن رؤيته هو للموقف الشرعي حيال هذا المشهد، ولا شك أن حضور شيخ الأزهر لهذا المشهد ساعد في سبعة مشاهد أخرى ترتبت عليه، وهي:
المشهد الأول: عزل الرئيس المنتخب: محمد مرسي، الذي انتخبه الشعب بإرادته الحرة، والانتخاب بمثابة بيعة في أعناق كل من شارك في هذا الانتخاب، يجب الوفاء بها، ثم إخفاؤه في مكان غير معلوم.
المشهد الثاني: تعطيل الدستور الذي رضيه الشعب المصري، واستفتي عليه، ووافق عليه بأغلبية 64%، والذي بُذلت في سبيل إعداده الأوقات الطوال من لجنة منتخبة، تمثل غالبية أطياف المجتمع المصري، والتي حرص أعضاؤها على التوافق لا المغالبة.
المشهد الثالث: إلغاء مجلس الشورى المنتخب، وهو أحد المؤسسات الرئيسية في الدولة.
المشهد الرابع: تعيين رئيس من قبل قائد الانقلاب العسكري، يدين له بالولاء والطاعة، يأتمر بأمره، وينزجر بنهيه، ولا يقدم بين يديه بكبير أو صغير، ولا يحرص على لقائه أو التواصل معه أحد، إنما جاء به ليكون واجهة مدنية مخادعة.
المشهد الخامس: تعيين وزارة تجمّع تابعة لجبهة الإنقاذ، مع رموز الحزب الوطني المنحل.
المشهد السادس: حملة من الاعتقالات نالت رموز العمل السياسي الشرفاء بمختلف توجهاتهم، منهم الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب ورئيس حزب الحرية والعدالة، والشيخحازم أبو إسماعيل رئيس حزب الراية، والمهندسخيرت الشاطر نائب مرشد الإخوان المسلمين، والأستاذ مهدي عاكف المرشد السابق، والدكتور رشاد بيومي، ثم المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، و نائبه الأستاذ عصام سلطان ، وغيرهم كثير وكثير، كما اعتقل كثير من الضباط الذين يحافظون على توجههم الإسلامي؛ خشية أن ينضموا إلى أنصار الرئيس مرسي في ميدان رابعة أو ميدان النهضة، وأعقب فض الاعتصام اعتقالات واسعة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، وقادة التحالف لدعم الشرعية، ومنهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع.
المشهد السابع: يضاف إلى ذلك إغلاق القنوات الفضائية الإسلامية، أو الحرة، وهي قنوات كانت تعمل في عهد مبارك نفسه، وحجب الصحف المعارضة للانقلاب، بل ومنع المقالات الحرة الجريئة للشرفاء والمخلصين من أبناء الوطن، مع التعتيم الإعلامي الرموز الوطنية، والتشويه المتعمد لجهود خدمة الدولة والمجتمع، والتحريض الآثم على كل من لم يركع لقادة الانقلاب ودعاة الحلول الأمنية([58]).
وترتب على حضور شيخ الأزهر ذلك المحضر الشائن استقالة العلامة الدكتور القرضاوي من هيئة كبار العلماء([59])، ومن مجمع البحوث الإسلامية. وقد خالف الدكتور محمد عمارة عضوُ هيئة كبار العلماءموقفَ شيخَ الأزهر، وأصدر بيانًا معبرًا عن ذلك، حيث تتضمّن هذا البيان مجموعةً من النقاط الجوهرية في الأحداث، يحسن إيرادُها في هذا السياق:
- إن ما حدث في 3 يوليو 2013م هو انقلاب عسكري على التحول الديمقراطي، الذي فتحت أبوابه ثورة 25 يناير 2011م، والذي تمت صياغته في الدستور الجديد، حيثحدد قواعد التبادل السلمي للسلطة، عن طريق صندوق الاقتراع، كما هو متبع في كل الدول الديمقراطية.
2- إن هذا الانقلاب العسكري إنما يعيد عقارب الساعة في مصر إلى ما قبل ستين عاما، عندما قامت الدولة البوليسية القمعية التي اعتمدت سبل الإقصاء للمعارضين، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الشعب المصري كله معزولاً سياسيًا، تتم تزوير إرادته، ويعاني من أجهزة القمع والإرهاب.
3- إن هذا المسار الذي فتح هذا الانقلاب أبوابه لا يضر فقط بالتحول الديمقراطي للأمة؛ وذلك عندما يشغلها عن مهامها الأساسية -وفي الهزائم التي حلت بنا في ظل الدولة البوليسية لمن يعتبر-وإنما يضر كذلك بالقوات المسلحة.
4- ويزيد من مخاطر هذا الانقلاب أن البعض يريده انقلابًا على الهوية الإسلامية لمصر؛ وفي هذا فتح لباب الفتنة الطائفية، التي ننبه عليها،,التي استقرت وتجذرت عبر التاريخ، ونحذر من شرورها.
5- إن الدستور الذي استفتي عليه الشعب قد أصبح عقدًا اجتماعيًا وسياسيًا وقانونيًا وشرعيًا بين الامة والدولة. وبموجب هذا العقد فان الرئيس المنتخب ديمقراطيًا له بيعة قانونية وشرعية في أعناق الأمة مدتها أربع سنوات، والناس قانونًا وشرعًا عند عقودهم وعهودهم ومن ثَمَّ فإن عزله بالانقلاب العسكري باطل شرعًا وقانونًا، وكل ما ترتب على الباطل فهو باطل"([60]).
وكذا فعل المستشار طارق البشري في كل كتاباته وتصريحاته، حيث قال: "الانقلاب العسكري يتحمل دماء المصريين التي سالت اليوم، حيث عكست القوة العسكرية ثورة ديمقراطية قامت في 25 يناير، وانقلبت على فترة انتقالية تخللها دستور وانتخابات حرة، وقدمت قوة السلاح، وانتهجت العنف في مواجهة الجماهير الشعبية([61]).
ورفض البيان المئات بل الآلاف من المفكرين والعلماء وأساتذة الجامعة، وفي مقدمتهم العلامة الدكتور حسن الشافعي، مستشار شيخ الأزهر([62]).
وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانًا رافضًا لهذا الانقلاب، حيث أكد فيه حرمة الخروج والانقلاب على الشرعية والرئيس الشرعي المنتخب، وبطلان الإجراءات التي اتخذت لعزله شرعًا.وندد الاتحاد بشدة بإخفاء الرئيس الشرعي، وتهديده بالملاحقة القضائية، وبالهجمة الشرسة على الإسلاميين، وايداع بعضهم في السجن، بمن فيهم رئيس البرلمان المصري المنتخب، وبعض أعضائه، الذين نالوا ثقة الشعب المصري في انتخابات نزيهة، الأمر الذي "ينذر بشر مستطير إن لم يتداركه العقلاء([63]).
جدلية سَعْيِ شيخ الأزهر إلى الانقلاب على الرئيس المنتخب؟
يذهب د. محمد الصغير -مستشار وزير الأوقاف في فترة حكم الرئيس مرسي -إلى أنَّ نسبة السعي في الانقلاب على الرئيس المنتخب إلى شيخ الأزهر، أو القول برضاه عن المذابح والمجازر التي وقعت في أعقابه، أمر يحتاج إلى مراجعة وإنصاف، وألا يقيم موقف الشيخ باعتبار أنه رجل ثورة، بل رجل دولة، يبتغي الحفاظ على مؤسسته، فالجميع رأى شيخ الأزهر على منصة الانقلاب، لكن لم يستمع أحد لكلمته في حينها، فالكل أغلق التلفاز بعدما أغلق عبدالفتاح السيسي باب الحرية، وانقلب على الشرعية، معلنًا السيطرة على الحكم بالدبابة والبندقية، بل الغالبية لم تكلف نفسها حتى الآن بالرجوع إلى كلمة شيخ الأزهر حتى تتهمه على بينة، ومن فمه تدينه، وخلاصة كلمته أنه خوَّف من فتنة داخلية، واحتراب أهلي، فوافق على خطة تحافظ على الدماء المعصومة، من خلال انتخابات رئاسية مبكرة من باب ارتكاب أخف الضررين. وهذا ما قيل له في حينها، وليس هو أول من انخدع بالعساكر، فوافقهم، وبارك خطتهم([64]).
وواضح أن المخططين للانقلاب كانوا حريصين على أن تخرج الصورة على هذا النحو وأن الشرعية الدينية كانت جزءًا مهما من الخطة والتي يمثل حضور شيخ الأزهر بمكانته ورمزيته رسالة مهمة حين تصدير مشهد الانقلاب للعالم، نعم كان وجود تواضروس بطريرك الكنيسة القبطية مهمًا للغاية من زاوية أخرى، لكنه لا يصل في رمزيته إلى قيمة ومكانة شيخ الأزهر في بلد تبلغ نسبة المسلمين فيه نحو 95% من عدد سكانه.
وإلى جانب الطيب وتواضروس أريد بمشاركة ممثل عن حزب النور أن يبعث رسالة مفادها أنَّ كل قيادات ورموز الحركة الدينية في مصر أجمعت على الإطاحة بمرسي، رغم أن أغلبية المنتمين للأزهر كانوا ضد الانقلاب، وقد برهنت احتجاجات أساتذة وطلاب جامعة الأزهر على ذلك، كذلك كان أغلبية السلفيين يؤيدون الرئيس مرسي باستثناء نسبة محدودة من حزب النور، وقد انشق عشرات الآلاف عن الحزب والدعوة السلفية لاحقًا بسبب انحيازهم للانقلاب الذييتصادم مع نصوص القرآن والسنة في إجماعها على تحريم الخروج على الإمام الشرعي.
من جهة ثانية، فإن مشاركة الدكتور الطيب كانت استدعاء متفقا عليه مع الجيش، لم يملك رفضه أو مناقشته، ولا يجرؤ حتى على ذلك، حيث أرسلت القوات المسلحة طائرة عسكرية إلى الأقصر لإحضار الطيب.
ولم يشارك الشيخ في المؤتمر الذي حضره الرئيس مرسي الأربعاء 26 يونيو والذي حضرته قيادات رفيعة بالدولة([65]),وتنقل "المصري اليوم" عن مصادر مقربة من شيخ الأزهر أنه كان يتعمد السفر إلى الأقصر في كل مرة يلقي فيها مرسي كلمة، أو يشارك في مناسبة([66]).وقد ذكر شيخ الأزهر ذلك لاحقًًا في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف القومية والمستقلة، يوم الأربعاء 31 ديسمبر 2014م، حيث كشف أنه تعمد عدم حضور خطابات مرسي بدعوى أنها كانت تشهد هجومًا شديدًا على المصريين، وتتضمن إهانات بالغة لهم([67])، ثم أعلنها الدكتور الطيب بكل وضوح: "لو لم يساند الأزهر ثورة 30 يونيو لكان في قائمة الخِزي والعار"([68]).
شيخالأزهريؤيدالتظاهرلتفويضالسيسي:
لم يقف دور الأزهر عند حضور مشهد الانقلاب، والغفلة -أو الانتباه -لما يمثله ذلك من خطر عظيم، بل زاد فأعلن تأييده لدعوة السيسي جموع الشعب للنزول في مظاهرات تأييد له في حربه ضد ما أسماه "الإرهاب المحتمل"، وذلك يوم الجمعة 26 يوليو 2013 ، وقال الشيخ في حديثه: "أيهاالمصريونهبوالانقاذمصرممايتربصبها،وتحملوامسؤولياتكماماماللهوالتاريخ،وانتمقادرونعلىتجاوزهذهالازمةوهذهالمحنة".
ودعا إلى التعبير عن الرأي بصورةحضارية،مندونانزلاقالىدائرةالعنف،اومستنقعالفوضى" مضيفا "انازهركميدعوكمانتحرصواكلالحرصعلىالتعبيرعنرأيكمبصورةسلمية".
وكان الأولى بالشيخ أن يحذر من مثل هذه الدعوات التي لا يمكن الاحتراز فيها من الدماء، بل لا بد أن يجري تفسيرها على أنه تفويض بالقتل والظلم، وتأويل كل حراك رافض للانقلاب على أنه إرهاب، وهو ما تم بالفعل، ومن الغريب أنه في نفس اليوم عبرت أمريكا وفرنساعن قلقها، ودعا المتحدث باسم البيت الأبيض إلى ضبط النفس، وحذر من "أي خطاب يشعل التوتر" ([69])
الفصلالرابع
مواقف شيخ الأزهر من الانقلاب... بين المؤيدين والمعارضين
سببت مواقف شيخ الأزهر بعد حضوره في مشهد الانقلاب انقسامًا عند المراقبين، في وقت كان الشارع المصري فيه منقسمًا بالفعل بين مؤيدي الشرعية، وأنصار الانقلاب، فمنهم من رأى أن الأزهر انحاز لشعب مصر الأصيل، وحافظ على وحدة المصريين وحُرمة الدم المصري، وهو منهج الأزهر وتاريخه دائمًا. ومنهم من اشتد عجبه، وعلا نكيره على مؤسسة عريقة تنهار هيبتها، وتنكص على أعقابها. وعلى كل حال كان موقف الأزهر لا يمثل الإجماع الوطني الذي نشده في الفترة السابقة، وعبر عنه بوثائقه التي أصدرها في فترة حكم المجلس العسكري، وأسهم في الانقسام المجتمعي، وأدخل الأزهر في أتون الصراع السياسي. بل سعى النظام الانقلابي إلى توظيف الأزهر في مساره السياسي، كما كان يفعل منذ ثورة 1952. فخيَّب آمالاً انعقدت بعد ثورة يناير في استقلال الأزهر، واستعادة دوره ومكانته.
ومن يحاولو اتخاذ موقف وسط بين المؤيدين والمعارضين يرون أن شيخ الأزهر كان مذبذبًا، في بعض الأحيان يجهر بالانحياز للانقلابيين، ثم يستنكر لاحقًا مذابحهم، ثم يعود فيؤيدهم؛ فهو أسير لتكوينه النفسي، وقربه من السلطة على مدار أكثر من عقدين من الزمان، بل قامت المشيخة بدورها في الذود عن الانقلاب، وتبرير جرائمه بفتاوى سياسية؛.
فقد أصدر الأزهر بيانًا في 9 يوليو 2013م، اعتبر المشاركة في مشهد الانقلاب موقفًا وطنيًا، يعدّ التخلف عنه خيانة للواجب المفروض بحكم المسؤولية([70]).
بينما أصدر بيانا في 21 يوليو انتقد فيه قتل ثلاث متظاهرات، في اعتداء على المتظاهرين السلميين بالمنصورة من جانب بلطجية الانقلاب، واعتبره متنافيًا مع مبادئ الدين والمروءة([71]).
وفي تصرف آخر أصدر الأزهرفي25 يوليو بيانا - بثه التلفزيون الرسمي - يدعو فيه المواطنين إلى الاستجابة لنداء عبد الفتاح السيسي في جمعة التفويض 26 يوليو 2013 لمواجهة ما أسماه بالعنف والإرهاب المحتمل.
معنى ذلك أن الأزهر كان يستنكر سفك الدماء لكنه في ذات الوقت ينحاز بكل وضوح للانقلابيين، وبعد جمعة التفويض بيوم واحد فقط، أوغل السيسي في الدماء، ودبر جريمة المنصة صباح السبت 27يوليو، وهي الجريمة التي أوقعت نحو مائة قتيل، وإصابة المئات. فأصدر الأزهر بيانا يدين إراقة الدماء البريئة الحرام.
يشارك في التفويض ثم يستنكر سفك الدماء لاحقًا، ثم يواصل دعمه وانحيازه للانقلابين القتلة، كان هذا خلاصة موقف مشيخة الأزهر، مذبذب في ظاهره ينحاز للقتلة في جوهره([72](
ومن الواضح أن شيخ الأزهر كان واقعًا بين مطرقة العسكر وسندان المنصب المستأمن عليه؛ ومن هنا تلحظ في تصرفاته التناقض العجيب، فقد أفتى الطيب بتحريم التظاهر ضد مبارك، لكنه أفتى بجواز التظاهر ضد الرئيس محمد مرسي قبل 30 يونيو([73])، وكان موقفه مواليًا للرئيس الأسبق حسني مبارك إبان ثورة 25 يناير؛ لكن الشيخ لم يتبن الموقف نفسه مع الدكتور مرسي، بل شارك في اجتماع إعلان خارطة الطريق في 3 يوليو/تموز 2013م والتي أطاحت بالدكتور مرسي([74]).
وفي مظهر آخر من مظاهر التناقض: في أعقاب مذبحة رابعة العدوية ونهضة مصر وهو اليوم الأكثر دموية في تاريخ مصر، والذي قتل فيه قرابة ألف مصري مع سبق الإصرار والترصد، أصدر شيخ الأزهر بيانا يؤكد فيه أنه لم يعلم بفض الاعتصام إلا من الإعلام وأنه ينكر بكل شدة إراقة الدماء على النحو الذي جرى، وأعلن شيخ الأزهر أنه سوف يعتكف في بيته احتجاجا على سفك الدماء، وعلى الجانب الآخر لما وقع الانقلاب كان الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية مؤيدا لهذا الانقلاب الدموي الغاشم، بل دعم السيسي بالأموال، وأرسل برقية تهنئة للمستشار عدلي منصور على منصب رئاسة الجمهورية المغتصب من قبل الانقلابيين([75]).وقد خرج بيان لشيخ الأزهر بعد فض رابعة بيومين يشيد بموقف “خادم الحرمين” ويصفها بحصن العروبة والإسلام([76]).
لكن لم هذا التباين والتناقض من شيخ الأزهر؟
الأزهر مثله مثل بقية عناصر ومقومات الدولة العميقة، شعر بالقلق حيال حكم الإخوان المسلمين، حيث كان يرى فيهم مصدر تهديد لمنصبه، لذا جاءت مواقفه المتباينة، حيث شعر شيخ الأزهر منذ فوز حزب الحرية والعدالة وحلفائه بأكثرية مجلسي الشعب والشورى، وهيمنتهم على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، خاف شيخ الأزهر من جماعة الإخوان أن تسعى إلى عزله من منصبه، صمن سعيها لتفكيك دولة مبارك، وقد كان جزءًا منها. وأن بديله جاهز وهو العلامة الشيخ القرضاوي، أو أحد الأزهريين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا الإطار كتب الصحفي جمال سلطان في 5-4-2013م مقالاً انتقد فيه الإخوان المسلمين،وادَّعى أن الإخوان المسلمين قادوا حملة ضد شيخ الأزهر في أعقاب واقعة تسمم مئات الطلاب من وجبة غذاء فاسدة، وكانت تلك الحملة كاشفة للكثير مما كان يتعذر قوله صراحة، وكانت كاشفة للأشواق المحترقة من قبل الإخوان للسيطرة على الأزهر الشريف، الذي يعتبر الجائزة الكبرى للتنظيم الدولي للجماعة، لأن وضع يدهم على الأزهر يعني حصولهم رسميًا على ذراع دينية وثقافية وسياسية خطيرة، تمتد بفروعها وهيبتها في مئات الدول عبر العالم، ويمثل ما يشبه دبلوماسية موازية للدولة المصرية في الخارج، فإذا تحكم حزب أو جماعة في هذا الصرح الخطير والتاريخي فذلك يعني بسط سيطرته الدينية والثقافية والسياسية على مساحة كبيرة من دول العالم، وخاصة العالم الإسلامي([77]).
وكلام الأستاذ جمال سلطان عارٍ من الصحة تماما فيما ذهب إليه، والدليل على ذلك أن شيخ الأزهر نفسه أبطل هذا التصور، حيث قال الدكتور أحمد الطيب، إنه ليس لديه دليل على تورط الإخوان في تنظيم تظاهرات تطالب برحيله، خلال أزمة تسمم طلاب جامعة الأزهر، مستبعدًا وجود تربص بتلك المؤسسة الدينية من قبل الإخوان. وأضاف في حديث لبرنامج «لقاء خاص»، على قناة سكاي نيوز عربية: "لا أظن أن هناك تربصًا من جماعة الإخوان المسلمين بالأزهر، وأنا أُرجع الأمر كله إلى حماس الطلاب وفورتهم"، مؤكدًا تدارك الأزهر للأزمة؛ وذلك بتحويل المسؤولين عما حدث إلى النيابة([78](
وفيما تُرَجِّحُ بعض الآراء في تحليل هذه المواقف المتباينة: أن شيخ الأزهر إنما أراد المحافظة على استقلال الأزهر الذي نص عليه دستور 2012م، وأكده دستور 2014م والبعد به عن معترك السياسة، إلا أنه كان جزءا من الدولة، وليس في قدرته الصدام الكامل معها، فأمسك العصا من المنتصف، نصف يضرب به لمصلحة الانقلابيين، والنصف الآخر يضرب به لصالح الأزهر والحفاظ على تاريخه في الزود عن الدين والثقافة الإسلامية، في مواجهة الانقلابيين وغيرهم.
إن الحيثية الدستورية والقانونية الجديدة التي منحتها ثورة يناير للأزهر لم يتم استثمارها أو الالتفات إليها، فإذْ لم يستطع الأزهر الصدام مع الانقلاب، كان عليه التزام الحياد، بالتعبير الصامت عن رفض الانقلاب على إرادة الأمة، وذلك أضعف الإيمان.
الفصل السادس
مواجهة شيخ الأزهر مع الانقلابيين
استدراك متأخِّر، وتدارُك أكثر تأخُّرًا
يبدو أن موقفشيخ الأزهر المؤيد للانقلاب قد شهد بعض التراجعات بمضي الوقت،ويمكن فهم ذلكمن زاويتين: الأولى، الضغوط الداخلية والخارجية التي ربما دفعته إلى إعادة النظر في موقفه، خاصة بعد تصاعد الانتهاكات السياسية والحقوقية التي تلت الإطاحة بالحكومة المنتخبة. والثانية، البعد الديني والأخلاقي، حيث أدرك المسافة التي تفصل بينه وبين عامة الشعب، والتي تزداد كلما ازدادت معاناة الناس، وقهرهم.
ومع ذلك، يبقى هذا التراجع محدودًا من حيث التأثير، نظرًا لاستمرار الأزهر في العمل تحت مظلة الدولة، وهو ما يعكس تعقيدات العلاقة بين الدين والسلطة في مصر.
ويمكن رصد عدد من محطات ذلك التراجع فيما يتصل بالعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين فيما يلي:
تحريم الدم
الناظر في غالب بيانات شيخ الأزهر بعد حضوره مشهد الانقلاب، يجد الجامع فيها أنها تحرم سفك الدم المعصوم، وإعلان البراءة من سافكيه أيًّا كان؛ولا ريب أن هذا الموقف لا ينناسب مع الواجب الشرعي في إنكار المنكر، والمطالبة بالقصاص، وتحديد الجهة الجانية، واتخاذ مواقف حادة منها، تليق بتكرار الجرائم، والإصرار على سفك الدم الحرام. أما الاكتفاء بالأسف على الدم المهراق فلا يحيي قتيلاً، ولا يشفي غلة، ولا يتلافى الحساب الإلهي الثقيل! وإن ظل معبرًا عن وطأة الإحساس بالمسؤولية التي عجز الأزهر عن القيام بها، حيث كانت إحدى عينيه على الواجب الشرعي، والثانية تبصر المخاطر التي تهدد موسسته، ولا يمكن الجمع بين الأمرين!
ففي أعقاب مذبحة الإسكندريةصدر هذا البيان من شيخ الأزهر في 6/7/2013م حذَّر فيه المصريين من فتنة مهلكة، تذهب بوحدتهم، فتنة تصرف قواتنا المسلحة الباسلة عن مهمتها الوطنية الأصلية، وأكد البيان "أن الدين أو الوطنية براء من أي دم يُسفك، وبراء من كل من يشارك في كل قطرة دم تسفك".
وبعد أن ارتكب العسكر مذبحة الحرس الجمهوري صدر من شيخ الأزهر هذا البيان في 8-7-2013م استنكر فيه القتل وعزى فيه أسر الشهداء، وواسى الجرحى والمصابين من أبناء مصر، وطالب بفتح تحقيق عاجل، ودعا إلى المصالحة الوطنية الشاملة التي لا تقصي أحدًا، والإعلان عن مدة الفترة انتقالية، وقال: لا ينبغي أن تزيد على ستة أشهر([79]).
وبعد مجزرة النصب التذكاري صدر هذا البيان من شيخ الأزهر في 27-7-2013م جاء فيه: ""إنَّ الأزهر الشريف وقلبه يتمزق ألما بسبب تلك الدماء الغزيرة التي سالت علي أرض مصر اليوم، يستنكرُ ويدين بقوة سقوط هذا العدد من الضحايا، ويعلن أن هذه التصرفات الدموية ستفسد على عقلاء المصريين وحكمائهم كل جهود المصالحة ومحاولات رأب الصَّدع ولم الشمل، وعودة المصريين إلي توحدهم كشعب راق متحضر".داعيًا فيه إلى الجلوس على مائدة الحوار، وجعله الحل الوحيد لوقف سفك الدماء.
وبعد محرقة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة صدر بيان بليغ من شيخ الأزهر في 14-8-2013م، بعد أن هجم الجيش على المعتصمين السلمينن، وكثير منهم نساء وأطفال، بمختلف الأسلحة، الخفيفة والثقيلة، وقنابل الغازات الخانقة، والحارقة، والمسيلة للدموع. والقناصة يعتلون أسطح المباني المجاورة للاعتصام، يطلقون النيران الحية على المعتصمين في كل مكان، وشاركت الطائرات العسكرية في هذه الجريمة فأخذت تصول وتجول، وتطلق رصاصاتها القاتلة علىرقاب المعتصمين ورؤوسهم.
وقد شاهد العالم كله صورا تدمي القلوب، وتمزق الأكباد، منها رؤوس تتفجر، ووجوه تتمزق، وأبدان تتحرق، وضمن من يقتلون في هذه المجازر خيرة شباب مصر، ورواد نهضتها من أهل العلم والفكر والرأي، منهم علماء الأزهر، ومنهم الأطباء، ومنهم المهندسون، ومنهم المعلمون، ومنهم المحامون، ومنهم العلميون، ومنهم كافة طبقات المجتمع وشرائحه.
بعد هذه المجزرة الرهيبة خرج شيخ الأزهر ببيان دعا فيه إلى ضبط النفس وتغليب صوت العقل والحكمة، وجمع أطراف الصراع على مائدة حوار جادة مخلصة للخروج من الأزمة الراهنة، وأسف شيخ الأزهر لوقوع عدد من الشهداء، وترحَّم عليهم، وعزي أسرهم، وأعلن في البيان أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام، وطالب بالكف عن محاولات إقحامه في الصراع السياسي[80]
وعقب مذبحة رمسيس أصدر شيخ الأزهر بيانًا في 17/8/ 2013م ، أرسل فيه رسائل عدة: كانت الأولى لرجال الجيش، حيث مدحهم، وأوصاهم بالحفاظ على الأرواح، والصبر الجميل تجاه انفعالات المتظاهرين، ورسالة إلى مختلف التيارات والقوى السياسية والحزبية، وإلى أبناء مصر من جماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معهم، فقال لهم: إن الشرعية لا تكتسب بدماء تسيل، ولا بفوضى تنتشر في البلاد، ورسالة إلى أقباط مصر ومسيحيها، وإلى الأصدقاء في العالم الخارجي([81])
ولا ريب أن تلك البيانات لا ترقى إلى مستوى الخطب الجلل الذي ضرب البلاد، والذي أسهم شيخ الأزهر بنصيب منه حيث قعد به الحرص عن مقتضى الواجب آنذاك.
عدم التوسع في التكفير
المحطة الثانبة ضمن محطات الخلاف بين الدكتور الطيب ومؤسسة الرئاسة؛ كانت رفض المشيخة إصدار فتاوى بتكفير الإخوان ووصفهم بالخوارج، كما رفضت حتى إطلاق أحكام التكفير على القاعدة وداعش وغيرها من الحركات المسلحة؛ مؤكدا أن الأزهر يتصدى لتوجهات التوسع في التكفير؛ فإذا أصدر مثل هذه الفتوى فإن ذلك منزلق خطير يعطي للآخرين مشروعية إصدار فتاوى تكفيرية مضادة([82]).
ويرى شيخ الأزهر أن تكفير أي شخص يلزمه أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، وقد رفض مبدأ التكفير بالرغم من الضغط عليه من خلال محاولة إصدار فتاوى بذلك من قبل وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، ومفتي الجمهورية المواليَين للنظام([83]).
رفض إلغاء الطلاق الشفهي:
رفضت هيئة كبار العلماء دعوة جنرال الانقلاب بعدم وقوع «الطلاق الشفوي» في معرض خطابه في الاحتفال بعيد الشرطة يوم 24 يناير 2017، حيث طالب بضرورة سنِّ قانون يمنع وقوع الطلاق إلا في حالة استيفاء الأوراق الرسمية وأمام مأذون شرعي، مبررًا ذلك بأن الإجراءات الرسمية تعطي فرصة للطرفين لإعادة النظر في فكرة الطلاق. وأوضح أن معدلات الطلاق في ازدياد مطرد في مصر وأن الآثار الاجتماعية لذلك كبيرة وخطيرة، واختتم توجيهه بعبارة لفتت أنظار السامعين والمتابعين للخطاب، إذ قال موجهًا حديثه لشيخ الأزهر الذي كان في مقدمة الحضور «تعبتني يا فضيلة الإمام».
لم ينتظر شيخ الأزهر طويلًا للرد، فدعا كبار العلماء بعدها بأيام قليلة لاجتماع طارئ؛ حيث أصدرت بيانا حادًا بإجماع الآراء، أكدت فيه شرعيةوقوع الطلاق الشفهي،دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق، وحذر البيان «المسلمين من الفتاوى الشاذة التي ينادي بها البعض حتى ولو كان منتسبًا للأزهر».
ولم يكتفِ البيان برفض مقترح السيسي فقط، بل خُتم بفقرة حادة اعتبرها مراقبون أنّها موجّهة للسيسي شخصيًا، وتقول: «على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حلّ مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم».
ثم أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانًا بعد اجتماع هيئة كبار العلماء بأيام، أيّد فيه بالإجماع ما أصدرته هيئة كبار العلماء بخصوص قضية الطلاق الشفوي([84]).
تجديد الخطاب الديني
تعدّ قضية تجديد الخطاب الديني ساحة المعركة الأبرز في الصراع بين الرجلين، حيث دأب السيسي على تحميل الأزهر والمؤسسة الدينية مسؤولية انتشار العنف والتطرف في البلاد، متهِمًا المؤسسات الدينية بالجمود، وغياب جهدها في تجديد الفكر الديني، وهو ما عارضه مرارًا شيخ الأزهر، مشيرًا إلى أنّ التطرّف والعنف لهما أسباب مختلفة، في إشارة إلى المسؤولية السياسية، وهو ما اعتُبر رفضًا منه لجعل الأزهر أو المؤسسة الدينية شماعة لتعليق أخطاء سياسية عليها، بدلًا من الاعتراف بمسؤولية القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية الخاطئة عن انتشار هذا التطرّف.
ومنذ 2014 يرفع زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي دعاوى تجديد الخطاب الديني، تماما كما فعل سلفه عبدالناصر من قبل، وهي الدعوات التي تكون مصحوبة بقصف إعلامي متواصل يستهدف الضغط على المشيخة والأزهر؛ وذلك لتحقيق مجموعة من الأهداف، لعل منها: توظيف هذه الدعاوى كغطاء لحربه على الحركات الإسلامية؛ التي يراهاتهديدا لنظامه، كما يستهدف ابتزاز المؤسسة الدينية باستمرار تحميلها مسئولية هذا التجديد الذي لا ملامح له سوى التطاول على ثوابت الإسلام، والخروج على إجماع الأمة.
لقد بقيت مشيخة الأزهر وهيئة كبار العلماء عصية أمام هذا الابتزاز، وفي تصريحات للإمام الأكبر في مؤتمر كازاخستان أكد أن الخطاب السياسي والمظالم في العالم هماالسبب الرئيس في الإرهاب والعنف؛ وهو ما يناقض توجهات الجنرال بتحميل الخطاب الديني المسئولية عن العنف والإرهاب.
كلام شيخ الأزهر عن الظلم في حضرة السيسي
في الخطاب السنوي له أمام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بمناسبة المولد النبوي الشريف، حذر شيخ الأزهر من الظلم وأثره التدميري على المجتمع، ليستخدم السيرة النبوية في إسقاط معبّر عن حالة القهر والظلم اللذين يعاني منهما المصريون([85]).
ومع أن لدى النظام العسكري الحاكم في مصر حساسية خاصة من الحديث عن الظلم أو الظلمة أو الدعاء عليهم، إلا أن الطيب قال بحضور السيسي: إن رسول الإسلام حذر في خطبة «حجة الوداع» من الظلم، وكرر التحذير منه في خطبته ثلاث مرات؛ وذلك لأثره التدميري على الأفراد والأسر والمجتمعات والدول.
ونستحضر هنا موقف النظام من الشيخ محمد جبريل، حينما دعا في صلاة القيام بليلة القدر في مسجد عمرو بن العاص على الظالمين منتصف عام 2015م، وتم منعه حينها من الصلاة في المسجد، وغادر البلاد، ثم عاد بعد دفع مبالغ مالية لصندوق تحيا مصر نهاية عام 2018م([86]).
مبادرة شيخ الأزهر للصلح
بعد مجزرة النصب التذكاري في 26 يوليو 2013 نادى شيخ الأزهر فقال: "أيها المصريون، إن الأزهر الشريف ينادي ويستصرخ العقلاء من كل الفصائل، أن يبادروا فورا ودون إقصاء، إلي الجلوس علي مائدة حوار جادة مخلصة، ذات مسؤولية وضمير، للخروج من هذه الأزمة ومن هذه التداعيات الدموية ومن هذه الأجواء التي تفوح منها رائحة الدماء، ولايزال الأزهر يحذر من أنه لا بديل عن الحوار إلا الدمار»([87]).
ورصدت «المصري اليوم» الأحد 11-08-2013م تفاصيل الاتصالات التي يجريها الأزهر، للبدء في جلسات الحوار الوطني، حيث بدأت مشيخة الأزهر اتصالاتها، الأحد، بممثلي القوى والأحزاب السياسية وأصحاب المبادرات، للمشاركة في جلسات الحوار التي ستعقد، خلال الأيام المقبلة، لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، التي تأتى تأكيدا لانفرادها باستئناف «الأزهر» المصالحة الوطنية.
وصرحت مصادر بمشيخة الأزهر، لـ«المصرى اليوم»، بأن المشيخة بدأت فعليا اتصالاتها، الأحد، بممثلي القوى والأحزاب السياسية والتيارات الإسلامية، للتشاور وتحديد موعد بدء جلسات الحوار الوطني، برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لتحقيق المصالحة الشاملة والوقف الفوري لجميع أنواع العنف، وحقن الدماء المصرية، والتأكيد على حرمة إراقة الدماء.
وأوضحت المصادر أنه من المقرر، خلال جلسات الحوار الوطني، مناقشة جميع المبادرات السياسية المطروحة، للخروج من الأزمة الراهنة بشكل سلمى، ومن بينها المبادرة التي طرحها «أبوالفتوح»، و«العوا»، و«البشرى»، والتأكيد على ضرورة الوقف الفوري لجميع أنواع العنف، وتغليب مصلحة الوطن وجعلها فوق المصالح الفردية والفئوية والحزبية([88])..
وفي الحقيقة لقد آلت الأمور إلى وضع يُرثى له، فلم يكن الشيخ في حال تمكنه من إجراء حوار فعّال يسفر عن نتائج يمكن إلزام الجناة بها، وهم الطرف الأقوى، والشيخ قد أسهم في التمكين لهم.
ولذا لم يكن من المنطقي أن يقبل الإخوان الجلوس مع من تقطر أيهم بدمائهم، دون أفق واضح للحل. وقد عبر الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة عن ذلك بقوله: إن على شيخ الأزهر التبرؤ من جريمة المشاركة في الانقلاب على الشرعيةقبل البحث عن مبادرات للخروج من الأزمة.كما اعتبر أن توظيف الأزهر غطاء للجرائم أمر خطير ويدمر تاريخه كله.
من جهته قال أحمد عارف المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين إنه يجب التمييز بين الأزهر ومكانته وبين منصب شيخ الأزهر الذي يستخدمه قادة الجيش.
وعقب فضيلة الشيخ العلامة القرضاوي على الدعوة إلى المصالحة فتساءل مخاطبًا شيخ الأزهر: من يملك أن يحكم في هذه المصالحة؟ هل تستطيع أن تأمر الجنرال السيسي أن يتراجع عن فعلته؟([89]).
الفصل الخامس
وقفات خاتمة
حول علاقة مؤسسة الأزهر بجماعة الإخوان المسلمين
علاقةالأزهربجماعةالإخوانالمسلمين قديمة؛تعود إلى بدايات تأسيس الجماعة نفسها على يد شاب أزهري هو حسن البنا. وتلقىحسنالبناتعليمهالدينيعلىيدشيوخأزهريينمثلالشيخيوسفالدجويوالشيخعبدالوهابالحصافي. كماانضمالعديدمنخريجيالأزهرإلىالجماعةفيبداياتها،مثلالشيخحامدعسكريةوالشيخمصطفىالطير،وشكلوانسبةكبيرةمنقياداتهاالتنظيميةوالدعوية.
وغيرخافٍدعمالأزهرالرمزيللإخوانالمسلمين؛إذْأشادالشيخمحمدمصطفىالمراغي،شيخالأزهرآنذاك،بحسنالبناووصفهبـ«الرجلالمسلمالغيور»،ودعمإصدارمجلة "المنار" التيأعادالبناإحياءها،ممايعكستقاربًافكريًاباكرًا.
غير أن التقلبات السيتسية التي عصفت بمصر في السنوات الأولى التي أعقبت ثورة يوليو 1952 عبرت عن رغبة قادة الثورة في الاستبداد بحكم البلاد، فانقلبوا على جميع القوى السياسية، ومن أهمها وأكبرها تأثيرًا الإخوان المسلمون. وقد مرت بنا فتاوى شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج في تجريم الإخوان بعد بدء محنتهم سنة 1954، وهو نفس ما صنعه شيخ الأزهر حسن مأمون إبان صدام عبد الناصر معهم سنة 1965، وأصدرالأزهرتقريرًاينتقدكتاب «معالمفيالطريق»لسيدقطب،ووصفأسلوبهبـ«الاستفزازي»الذييستهدفالشبابوالبسطاءعبرخطابتحريضي. كمااعتبرالبيانالرسميللأزهرأنأفكارقطبتشكلخطرًاعلىالاستقرارالاجتماعي.
ظل الأزهر منذ بدء ثورة 1952 حتى ثورة يناير 2011 مرتهنًا بالإرادة السياسية للنظن العسكرية الحاكمة، ولإن تلبست الزي المدني، وادعت النهج الديمقراطي، ولم يكن هناك حاكم مستعد لتقبل فكرة أن يستقل الأزهر عن سلطته، فالأزهر قوة شعبية هائلة، لها امتدادها في شتى أنحاء البلاد، وهو قوة ناعمة لا يمكن لحاكم الاستغناء عن تبعيتها له، أو موافقتها إياه في الحد الأدنى لهذه العلاقة. وكان تدخل الدولة من خلال تعيين شيخ الأزهر، ورئيس الجامعة ومفتي البلاد، وغيرهم من مرسسات الأزهر قادرًا على الإمساك بزمام القدرة والسيطرة. فضلاً عن التحكم المالي الذي أصبح واقعًا منذ أمم عبد الناصر أوقاف الأزهر، وتحكم في موارده ومصارفه وميزانياته.
وعلى الطرف المقابل كانت السياسة العامة منذ عبد الناصر تقف موقف العداء من الإخوان المسلمين، وتحسن الحال قليلًا زمن السادات لما اشتدت حاجته إليهم لمواجهة المد الناصري واليساري الذي ورثه من سلفه، فلما أطلق سراحهم ظل مانعًا إياهم الشرعية القانوني، وهو الحال الذي ظلوا عليه زمن مبارك مع انعدام الحق في الأمن الاجتماعي والإنساني، إذ تعددت محاكمانهم، وإجهاض خططهم.
كان من المفترض والمنطقي أن تجمع تلك التحديات بين الجماعة والأزهر، فكلهما يحمل هم رسالة عظمى، ويحتاج إلى كل عون فيها.. لذا لم تكن النظم المتسلطة بعيدة عن إدراك هذا، فسعت إلى المباعدة بينهما، وإثارة التوجس والمخافة. ولا ريب أن كثيرًا من أسباب الجفوة كان مردها إلى أجواء الاستبداد، وأساليب المستبدين.ولما ارتخت قبضة الاستبداد بعد سقوط مبارك كان اللقاء بين شيخ الأزهر ومرشد الإخوان، وهو ما جرى بالفعل، وعلق الناس عليه آمالاً، لم تطل، إذ سرعان ما عاد الاستبداد بكلكله البغيض.
علىصعيدآخر،يمكنالقولإنإعادةبناءجسورالثقةبينالأزهروبين الإخوانتحتاجإلىتجاوزالاستغلالالسياسيللخلاف؛إذيتوجبعلىكلاالطرفينأنيجدواأرضيةمشتركةتعيدإلىالخطابالإسلاميمعانيالوحدةوالوسطية،دونأنيكونالخلافأداةللتلاعبالسياسي. إذإنالحوارالبنّاءوالمبادراتالمشتركةفيمجالاتالتعليموالعملالخيريقدتُسهمفيتحويلالنزاعإلىتعاونيخدمقضاياالأمةعلىمستوىشامل،ولكنذلكلنيحدثإلاإذاامتنعالطرفانعنالسماحللسلطةباستخدامهذهالخلافاتلتفتيتالصفالإسلامي.
ملاحق
رؤيةحزبالحريةوالعدالةفيإصلاحالأزهرالشريف
وعلىخلفيةمبادرةشيخالأزهر،كانحزبالحريةوالعدالة- باعتبارهالجناحالسياسيلجماعةالإخوانالمسلمين - قدقَدَّمَرؤيتهلإصلاحالأزهر،وقدتضمنتتلكالرؤيةمبادرةإيجابيةمفادها: إنالأزهرالشريفمؤسسةفريدةفيالعالم،حبااللهتعالىبهامصر،ولقدقامتعلىدراسةوحمايةونشرعلومالقرآنوالشريعةواللغةالعربيةفيمصر،وتخرجفيهاعلماءمنكلبلادالإسلام،فكانواخيررسلمنمصرلشعوبهم،بالإضافةإلىدورالأزهرالتاريخيالمجيدفيحملرايةالجهادوقيادةالمجاهدينأمامكلغزواتالاحتلالالأجنبيعلىمصر،فضلاعنصدعهبالحقفيوجوهالحكامالظالمين،ووقوفهبجانبالمستضعفينالمظلومين.
كلذلكجعلهقبلةلطلابالعلممنكلأنحاءالعالمالإسلامي،وجعلهمحلاحترامبلتقديسالمسلمينمنإندونيسياوحتىالمغربالعربي،الأمرالذييفرضعلىكلمنيحبمصروالإسلامويسعىلرفعشأنهماأنيقويالأزهرويدعمه،وأنيتيحلهحريةالفكروالحركةوالدعوة،وأنيمدهبالمالوالرجالالذينيحملونأمانتهويؤدونرسالته.
ومنهذاالمنطلقفإنَّحزبالحريةوالعدالةيسعىلتحقيقالآتي:
• التوسعفيإنشاءالكتاتيبوالحضاناتمعالتركيزعلىحفظالقرآنالكريموجزءمنالسنةالنبويةالشريفةوتعلمالأخلاقالفاضلة.
• دعمالمعاهدالأزهريةبالمعلمينالأمناءالأكفاء،ووضعالمناهجالتيتناسبظروفالعصر.
• دعمالكلياتالشرعيةبمايؤهلالمتخرجينمنهاللدعوةوالتدريسوالفتياوالاجتهادفيعلومالشريعة.
• الاهتمامبالكلياتالأزهريةالمدنيةحتىتخرجالطبيبوالمهندسوالمحاسب.. إلخالداعيةالذييدعوإلىالمعروفبلسانهوكيانهوسلوكهكماكانمستهدفامنها.
• إعادةتشكيلهيئةكبارالعلماءبالانتخابمنالعلماء.
• اختيارشيخالأزهريكونبالانتخابمنهيئةكبارالعلماءويقتصرالقرارالجمهوريعلىتسميةمنينتخبهالعلماء.
• إعادةأوقافالمسلمينإلىهيئةأوقافمستقلةعنميزانيةالدولة،وصرفعوائدهافيماأوقفتعليه،وبالذاتمخصصاتالأزهرومرتباتشيخهوعلمائهوطلبةالعلمفيه.
• إطلاقحريةالدعاةوالأئمةوالوعاظفيشرحمبادئالإسلاموشريعتهوقيمهوأخلاقهوتنظيمهلشؤونالحياةوحلهلمشكلاتهادونتدخلمنالسلطةالإداريةإلابمايقتضيهالعلموالخلقالإسلامي.
((دور الأزهر في السياسة المصرية د سعيد إسماعيل على، ص 61-62. ↑
((راجع تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، عبد الرحمن بن حسن الجبرتي (ت: 1237ه-/1822م)، دار الجيل، بيروت، ج-1، ص354،ودراسات في تاريخ الجبرتي... مصر في القرن الثامن عشر، محمود الشرقاوي، دار الأنجلو المصرية، القاهرة، 1955م، ج-2، ص159. ↑
() الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان المسلمين د عمار علي حسن ص164 ↑
() د. البهي: مرجع سابق ص 54-58 ↑
(( الدولة العربية المتحدة... تاريخ الاستعمار الاوروبي في بلاد العرب، أمين سعيد،مطبعة عيسى الباب الحلبي، القاهرة، 1936م، ص69 . ↑
() د. محمد البهي: مرجع سابق ص 63-65 ↑
() البهي: المرجع نفسه ص 66 ↑
()محمد فؤاد شكري: مصر في مطلع القرن التاسع عشر 1801-1811، ج2 ص 271-274، مؤسسة هنداوي، وندسور، المملكة المتحدة، سنة 2021 ↑
() د. محمد عبد المنعم خفاجي ود. علي علي صبح: الأزهر في ألف عام ج1 ص191-192، ط3، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 2011 ↑
() د. البهي: الأزهر تاريخه وتطوره ص 79-82، محمود محمد محمود زايد: واقتحم الإنجليز الأزهر، حادث اقتحام الإنجليز للجامع الأزهر إبان ثورة 1919، بحث منشور حولية كلية الآداب 1، جامعة بني سويف، سنة 2014، مجلد 3، ص41 ↑
() راجع كتاب فتاوى علماء الأزهر الشريف حول تحرير فلسطين والقدس الشريف تجد فيه الحكم الشرعي في تحرير فلسطين- دار اليسر– القاهرة، ط1، سنة 1432ه-/ 2011م، ص41-59 ↑
() المرجع السابق ص 157-189 ↑
(( من المهم التنويه بأنَّ مؤسسة الأزهر تمارس عملها من خلال خمسة مسارات محورية:
1- المجلس الأعلى للأزهر؛ وهو الملف برسم السياسات العامة والخطط اللازمة لتحقيق أهداف الأزهر.
2- هيئة كبار العلماء؛ وهي أعلى مرجعية دينية أزهرية، ولها حق اختيار شيح الأزهر.
3- مجمع البحوث الإسلامية، وهو المعول عليه في تجديد الثقافة الإسلامية، وتلبية الاحتياجات العلمية.
4- جامعة الأزهر؛ وتختص بالتعليم العالي والبحوث المتعلقة به،
5- قطاع المعاهد الأزهرية، ويشمل جميع مراحل التعليم قبل الجامعي.
وبرغم أنَّ المؤسسات الثلاث الأولى تقع مباشرة تحت رئاسة شيخ الأزهر. وأنَّ الجامعة وقطاع المعاهد الأزهرية يتم التفويض فيهما إلى سلطة تابعة للشيخ. إلا أنالسلطات الخمس لا تخرج عن كونها مرهونة بسلطة شيخ مؤسسة الأزهر. ↑
() مقال كتبته نورا طارق عن جيهان السادات - المصري اليوم https://2u.pw/6s7E9vBa ↑
(( استقلال الأزهر: الرسالة والوظيفة ص 13،12 د مجدي شلش، بحث قدم في مؤتمر "استهداف الأزهر الشريف دعم للإرهاب وحرب على الإسلام"رابط المؤتمر ورابط ↑
(( استقلال الأزهر: الرسالة والوظيفة ص 13،12 د مجدي شلش، بحث قدم في مؤتمر "استهداف الأزهر الشريف دعم للإرهاب وحرب على الإسلام"رابط المؤتمر ورابط ↑
() الأزهر: مؤسسة الدولة أم مؤسسة الأمة؟ للباحث في العلوم السياسية يوسف منيع على موقع إضاءات بتاريخ 17-4-2016م. رابط المقال: https://2u.pw/jiS5Hl4K ↑
((https://old.shamela.ws/index.php/author/118 المكتبة الشاملة د محمد سيد طنطاوي ↑
() أصدر الشيخ عبد الرحمن تاج بيانًا تحت عنوان "مؤامرة الإخوان" أيَّـد فيه عبد الناصر في حملته على الإخوان، واتهمهم بأنهم يعملون على تشويه الدين وحقائقه، وفي 17 نوفمبر 1954 أصدرت جماعة كبار العلماء بالأزهر بيانًا نصت فيه على انحراف الجماعة - التي وصفها البيان بأنها "عصابة" - عن منهج القرآن في الدعوة ، وتشكر في ختامه "الله العلى القدير أن مكَّن لأولى الأمر في هذه الأمة أن وضعوا أيديهم على بذور الفتنة ووسائلها قبل أن يشتدَّ أمرها، ويستفحل شرها "، وبعد حادثة إطلاق الرصاص على عبد الناصر في ميدان المنشية في عام 1954 أصدرت مجلة "منبر الإسلام" التي يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية كتابًا وزَّعته مجانا عنوانه " رأي الدين في إخوان الشيطان" من 110 صفحات احتوى على سبعة وعشرين مقالاً تحمل أسماء بعض شيوخ الأزهر تهاجم الإخوان ويفتي بعضها بخروجهم من الإسلام، وعندما صعَّـد عبد الناصر حملته ضدَّ الإخوان في عام 1965م وأعدم الشهداء بإذن الله سيد قطب ,وإخوانه أصدر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر (1963-1969م) بيانًا نشرته الصحف بتاريخ 11 سبتمبر 1965 بعنوان «رأى الإسلام في مؤامرة الإجرام»، والذي أفتى فيه بتكفير الجماعة واعتبرها من الخوارج (
زياد أبو غنيمة: الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (حقبة عبد الناصر) (الحلقة الرابعة عشر)، على موقع إخوان ويكي، على الرابط:https://2u.pw/frz2wzzn)
((صحيفة المصرية اليوم، الإثنين 22-03-2010م. ↑
((الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر عن 25 يناير 2011م الداعون إليها دعاة فتنة وضلالة https://short-link.me/PyDz. ↑
www.alarabiya.net › 2012/10/15 وهذا رابط فيديو يوثق موقف شيخ الأزهر من الثورة: https://video.search.yahoo.com/search/video?fr=mcafee&p=شيخ+الأزهر+وثورة+يناير+2011م&type=E210US91213G0 وهذا فيديو ينتقد فيه الدكتور صفوت حجازي موقف شيخ الأزهر من ثورة يناير ويصفه بأنه من ألد أعداء الثورة. . وهذا الرابطhttps://www.youtube.com/watch?v=pFjjP6HpXD4&t=3s. ↑
تقرير عنوانه "مرشد الاخوان بمصر يخرج عن صمته ويكشف حقيقة الـميليشيات بالأزهر" موقع دنيا الوطن، بتاريخ 12 ديسمبر 2006، على الرابط:
..https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2006/12/12/66592.html#ixzz90biDfRGT
↑«المصرياليوم»تنشرتحقيقاتالنيابةفيقضية«ميليشياتالأزهر» تقرير على موقع المصري اليوم، بتاريخ 20 فبراير 2007، على الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2147254 ↑
((arabi21.com. ↑
ومن بين الشخصيات الموقعة على البيان بصفتها الشخصية: أحمد الريسوني؛ نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس هيئة علماء اليمن عبد المجيد الزنداني، ورئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا: محمد الحسن ولد الددو
والمنظمات الموقعة على البيان هي: رابطة علماء أهل السنة، وهيئة علماء فلسطين في الخارج، وهيئة علماء المسلمين في لبنان، ومركز تكوين العلماء في موريتانيا، ومنتدى العلماء والأئمة في موريتانيا، ورابطة علماء المغرب العربي، والاتحاد العالمي لعلماء الأزهر، ونقابة الدعاة المصرية، وجبهة علماء ضد الانقلاب..رابط نداء الكنانة على موقع رابطة علماء أهل السنة التي تبنت البيان وصدر باسمها:https://www.rabtasunna.com/193 ↑
()رابط موقع الجزيرة وفيه تقرير فيديو عن نداء الكنانة - https://2u.pw/dT4wJQQE ↑
((موقع صدى البلدhttps://www.elbalad.news/1659013 ↑
((المصري اليوم: رابطhttps://www.almasryalyoum.com/news/details/790607#google_vignette ↑
((رابط موقع حياتي: ورابط موقع بوابة الحركات الإسلاميةhttps://www.islamist-movements.com/30799 ↑
((لوطن رابط:https://www.elwatannews.com/news/details/784746 ↑
راجع نص البيان على رابط موقع حياتي: ↑
((راجع نص تصريحه على موقع الوطنhttps://www.elwatannews.com/news/details/785256 ↑
((راجع نص التصريح على موقع المصري اليومhttps://2u.pw/LVw5XCYY ↑
((راجع نص التصريح على موقع المصري اليومhttps://2u.pw/zdJTfgix ↑
راجع نص التصريح على موقع المصري اليوم https://2u.pw/CPWTmdsK ↑
((راجع نص التصريح على موقع المصري اليوم مع صورة جابر نصار https://2u.pw/1ihNp4a5. ↑
((اجع نص الرد على موقع رابطة علماء أهل السنةhttps://www.rabtasunna.com/194 ↑
((الأزهر يخطو نحو الاستقلالية والنفوذ في مصر - أحمد مرسي وناثان ج. براون
نشرت في 13 نوفمبر 2013 https://short-link.me/MUie. ↑
()فهمي هويدي:" مطلوب تحقيق"،مقال منشور بتاريخ 26 يناير 2012، على بوابة الشروق https://2u.pw/y6grxxXQ ↑
(("الطيب في لقائه برؤساء تحرير الصحف: الأزهر بفكره الوسطي عصي على الاختراق من أي تيار"، تقرير بتاريخ 31 /12/2014على جريدة الأهرام المصريةhttps://gate.ahram.org.eg/News/579360.aspx. ↑
نص الدستور المصري على الرابط:https://www.constituteproject.org/constitution/Egypt_2012?lang=ar ↑
((راجع نص الوثيقة على موقع الإمام رابط موقع الإمام الذي نشر هذه الوثيقة:. ↑
((رابط موقع المصري اليوم الذي علق على بيان استكمال الثورة وذكر كلمات بعض المشاركين فيه: - نافذة مصر . ↑
((راجع نص الوثيقة على موقع الإمام الطيب https://n9.cl/https___www_alimamaltayeb_com_. ↑
((موقع مدينة القدس https://www.qii.media/news/13951. ↑
((راجع نص الوثيقة على موقع الإمام الطيب رابط الوثيقة على موقع الإمام. ↑
((أحمد البحيري/«الطيب» يرأس وفد هيئة كبار العلماء إلى السعودية بعد دعوة خادم الحرمين/ المصري اليوم - الجمعة 19 إبريل 2013م. ↑
((يوسف العومي, هشام ياسين: شيخ الأزهر ووزير الثقافة يغادران إلى الإمارات العربية المتحدة/ المصري اليوم - السبت 27 إبريل 2013م. معتز نادي: المفتي يهنئ «الطيب» على «جائزة الشيخ زايد»: استطاع نشر وسطية الإسلام، المصري اليوم - الإثنين 29 إبريل 2013م. ↑
((فهمي هويدي: رحلات شيخ الأزهر للخليج، بوابة الشروق - السبت 11 مايو 2013. ↑
((راجع نص البيان بيان هام من... - Alhabib Ali Al Jifri الحبيب علي الجفري | Facebook
((ثورة مصر ج2 د عزمي بشارة ص 363-364 ط المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ↑
((مقال للدكتور وصفي أبو زيد على موقع رابطة علماء أهل السنة رابط المقال: https://www.rabtasunna.com/169. ↑
((شيخ الأزهر: التظاهر ضد الحاكم جائز | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com). ↑
((وقفات مع شيخ الأزهر للعلامة القرضاوي. ↑
((رابط الموقع والاستقالة.https://www.aljazeera.net/news/2013/12/3/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%B6%D8%A7%D9%88%D9%8A-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1 ↑
((https://www.alestiklal.net/ar/article/dep-news-1613242794.
https://www.youtube.com/watch?v=XqCtj0JPTu8&t=56s. ↑
((راجع نص البيان على موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ↑
((مفاجأة من العيار الثقيل د. محمد الصغير يبرئ شيخ الأزهر من الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسيhttps://www.youtube.com/watch?v=rmxqMEszZK8. ↑
((لغطاء الديني لجريمة الانقلاب ...دور مشيخة الأزهر https://politicalstreet.org/5305/#_ftn3. ↑
((أحمد البحيري: مصادر: شيخ الأزهر وصل اجتماع «عزل مرسي» بطائرة عسكرية، المصري اليوم - الخميس 04 يوليو 2013م. ↑
((أشرف عبد الحميد/ الطيب: رفضت حضور خطابات مرسي لأنها كانت تهين الشعب/ العربية - 31 ديسمبر 2014م. ↑
((أحمد البحيري/شيخ الأزهر: عدم مساندة 30 يونيو «عار».. ونرفض التكفير/ المصري اليوم - الأربعاء 31 ديسمبر 2014م. ↑
()موقع قناة الحرة 25 يولية 2013، على الرابط: https://zt.ms/1M5 ↑
((«الأزهر» ينتقد فتوى «القرضاوي» حول ثورة «30 يونيو»/ الشروق - الثلاثاء 9 يوليه 2013. ↑
((أحمد البحيري /الأزهر: قتل المتظاهرات في المنصورة يتنافى مع كل مبادئ الدين والمروءة/ المصري اليوم - الأحد 21 يوليو 2013م. ↑
((أحمد البحيري/«الطيب»: قلبي يتمزق من الدماء.. وأطالب الحكومة بالكشف عن حقيقة الحادث/ المصري اليوم - السبت 27 يوليو 2013م. ↑
((بالفيديو..الأزهر: التظاهر ضد مبارك حرام وضد مرسي حلال/ رصد - الخميس، 20 يونيو 2013. ↑
((] فتاوى شيوخ مصر.. لكل حاكم مقدار/ الجزيرة نت - 21 فبراير 2014م. ↑
((موقع النشرة https://n9.cl/k36kv الخميس 04 تموز 2013 00:10 النشرة الدولية. ↑
((شيخ الأزهر يشيد بموقف «خادم الحرمين»: السعودية هي حصن العروبة والإسلام/ المصري اليوم - الجمعة - 16 أغسطس 2013م. ↑
((موقع العربية نت https://n9.cl/hewj9. ↑
((المصري اليوم. ↑
((رابط فيديو شيخ الأزهر في فض رابعة العدوية https://www.youtube.com/watch?v=rYaN5wEV9ys. ↑
((غالب بيانات شيخ الأزهر غير موجودة على الوسائط، وغالبها إن لم يكن كلها مسح بفعل فاعل، لكن موقع العلامة القرضاوي احتفظ بنسخة منها، فكان يذكر البيان كما ورد على لسان شيخ الأزهر ثم يعقب عليه، وهذه التعقيبات التي ذكرتها عقب كل بيان مصدرها رد العلامة القرضاوي مع بتصرف يسير، ومن أراداها فعليه بموقع الشيخ العلامة القرضاوي، وهذا رابطهhttps://www.al-qaradawi.net/node/2844. ↑
((الأزهر وحكام مصر بين الشموخ ومحاولات التطويع السياسي – الشارع السياسي - مصر - 11ديسمبر 2018م https://politicalstreet.org/835/. ↑
(("طيب" الأزهر ... الرئاسة من أمامه والإعلام من خلفه 19.04.2017 حسن القباني،الأناضول - https://short-link.me/PwJX.
محطات في الصراع بين السيسي وشيخ الأزهر - تقارير عربية - القاهرة - العربي الجديد - 14 ديسمبر 2018م https://n9.cl/y4n58k ↑
((الأزهر وحكام مصر بين الشموخ ومحاولات التطويع السياسي – الشارع السياسي - مصر - 11ديسمبر 2018م https://politicalstreet.org/835/
الأزهر مهادنة تنتظر المواجهة مع السيسي 23 مارس 2021مhttps://short-link.me/PwLd
الصدام بين الأزهر والسلطة.. كيف أحياه دفاع "الطيب" عن التراث؟ -تقارير -https://www.alestiklal.net/ar/article/dep-news-1580374468. ↑
((شيخ الأزهر أمام السيسي يحذر من الظلم https://www.youtube.com/watch?v=XCOoN3m6W84. ↑
((شيخ الأزهر يتحدث عن عاقبة الظلم بحضور السيسي.. فما مصيره؟ محمد مغاور موقع منتدى العلماء https://short-link.me/N7Ub كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي رابطها: https://www.youtube.com/watch?v=x2dO2cINA9U دعاء الشيخ محمد جبريل على الظالمين والاعلاميين وللمعتقلين– ليلة 27 عام 1436ه، هذا رابطه https://www.youtube.com/watch?v=3xba6mi2Flo. ↑
((راجع هذا الرابط https://www.al-qaradawi.net/node/2844. ↑
((المصري اليومhttps://www.almasryalyoum.com/news/details/247731#google_vignette. ↑